آراء

ما يأمله الكرد من الإستراتيجية الأمريكية في سوريا

   في أحدث تقرير له، حول الوجود الأمريكي العسكري والدبلوماسي في سوريا، لمح المجلس الأطلسي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية افتقرت إلى سياسة واضحة منذ أكثر من عقد ولكنها لم تتمكن من تحقيق الاستقرار في تلك المنطقة، رغم التنسيق العسكري المباشر مع قوات سوريا الديمقراطية.

   ربما، أن إدارتي الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب فشلتا إلى حد ما، في تحديد ما تأمل إليه الولايات المتحدة في تحقيقه في سوريا، ولكن واشنطن ما زالت تواصل كفاحها من أجل تحديد إستراتيجيتها في شمال وشرق سوريا، رغم الوجود العسكري والدبلوماسي، والإمداد اللوجستي المستمر ورغم عدم الإيذان ببدء التخلي عن مشروعها الطويل في سوريا عموماً، مع التحفظ طبعاً على بعض السياسات التي عقدت وأضرت بالعلاقات الكردية – الأمريكية وأخلت بواقع بعض الجغرافيات المحررة من قبل أمريكا وحلفائها الكرد سواء من جانب النظام السوري أو من الإرهاب معاً برعاية تركية معلنة ومباشرة دون أن تخضع للاتهام دولياً.

   ما زال لدى الولايات المتحدة الأمريكية الوقت الكافي والذهبي للعب دور مهم ومحوري في سوريا، في ظل الفوضى الطاغية في الخارطة السورية، وسيتمحور دورها الأهم في المناطق التي لها تنسيق مباشر على الأرض مع قوات سوريا الديمقراطية بعد التخلص من الإرهاب وبقاياه على مرحلتين ولكن ما زالت المرحلة الثالثة في أوجها. بحسب المعطيات على الأرض.

   بالطبع، هناك خطة عمل أمريكية وأوروبية معلنة في منطقة شمال وشرق سوريا ولكنها لم تترجم إلى آليات مباشرة لاستتباب الأمن والاستقرار المنشودين، ليكون لواشنطن ذاتها ثقل سياسي واضح على الأرض وكذلك على واشنطن العمل سريعاً لتقوية الإدارة الكردية الموجودة والتي تمثل إرادة خمسة ملايين سوري بمختلف شعوبهم ومكوناتهم وكذلك الاستفادة القصوى من فرص الدول المانحة التي أبدت استعدادها التعاون مع واشنطن فيما تصبو إليه في سوريا بعد فشل المعارضة العربية الإسلامية وارتهانها لأجندات أنقرة وفشل النظام السوري كلياً في جلب الأمن والاستقرار إلى المناطق الساخنة والمغدورة والتي باتت أطلال فارغة نتيجة المعارك الطاحنة بين الجانبين المتصارعين على السلطة  فحسب، وكذلك استفادة واشنطن من علاقاتها الجيدة والوطيدة وغير المتقطعة مع أنقرة للوصول إلى هدنة طويلة مع الكرد، وضرورة تخلص أنقرة من فوبياها في محاربة الكرد ومشاريعهم السياسية والتوصل إلى قناعة تامة أن ما تم تشييده في روجآفا وشمال وشرق سوريا ليس خطراً وجودياً على تركيا ولا على حدودها المفتوحة مع شمال وشرق سوريا بل عموم سوريا.

   آن الأوان لواشنطن أن تعلن عن علاقاتها السياسية والعسكرية المباشرة مع الكرد، لاسيما وأن واشنطن تتحضر لاستقبال وفد رفيع من مجلس سوريا الديمقراطية وكذلك تتحضر موسكو لذلك أيضاً، لبحث التنسيق المقبل، بعد فشل بعض الرهانات على قوى المعارضة العربية وهشاشة مبادرات النظام، إذ هناك فرصة أخرى، في أن تعيد واشنطن حساباتها سريعاً وتتمكن من الضغط الفعلي على النظام السوري وروسيا وإيران للحصول على تنازلات من شأنها أن تعود بالنفع على مستقبل السوريين في المناطق التي تتواجد فيها ولها تنسيق سياسي وعسكري، وخاصة مع الكرد في مناطق الإدارة الذاتية، هذا لا يعني فشل واشنطن كلياً، وإنما فشل بعض السياسات التي اتبعها الرئيس السابق ترامب حصراً والذي ربط وجود بلاده عسكرياً بالتنسيق مع مصالح تركيا وعدوانيتها الواضحة حيال الكرد، على العكس تماماً، لم تتمكن أمريكا من حماية مصالح شركائها على الأرض وخاصة الكرد الذين نسقوا بشكل قوي ومباشر مع أمريكا في محاربة ومكافحة الإرهاب وخاصة “داعش” الذي بدأ فعلياً من تنظيم صفوفه مجدداً وبات يستقوى في مناطق متفرقة في سوريا والعراق.

   الكرد أمام معضلة وهي التخلص من مخاطر تركيا، وكذلك واشنطن بإدارة بايدن بحاجة إلى ترجمة عهودها في ردع تركيا ومنح الاطمئنان لها بأن الكرد ليسوا خطراً بقدر ما أنهم يبنون مشروعاً حلموا به لآماد طويلة ولكنها لا تتوافق مع أحلام أنقرة.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى