آراء

الانفتاح العربي على النظام السوري – أسباب ودوافع

   بدأت الآثار المترتبة على الحرب في أوكرانيا تفعل فعلها على الصعيد الدولي والأصعدة الإقليمية من خلال اصطفافات جديدة، فإذ تعزز التقارب الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وتعزز دور حلف الناتو في مواجهة روسيا بتقديم مساعدات ضخمة، مالية وعسكرية، إلى الحكومة الأوكرانية بهدف إفشال روسيا وإلحاق الهزيمة بها في هذه الحرب كونها تشكل خطراً كبيراً على أوروبا، فقد حدثت تطورات أخرى في علاقات العديد من الدول الأخرى بمساعدة روسيا وفي مقدمتها الصين، فتم تشكيل ما يمكن أن نسميه الحلف المقابل للحلف الغربي، ويضم حتى الآن كلاً من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وبذلك تشكل معسكران عالميان، ولم تحسم دول أخرى مواقفها في انتظار تشكل وضع دولي جديد، وبالطبع هناك دول أخرى قد حسمت موقفها إلى هذا الجانب أو ذاك دون ضجة كبيرة، ومن جهة أخرى بدأت مجموعة من الدول كانت ولاتزال في المحور الغربي باتخاذ سياسات جديدة مراعية بذلك مصالحها الوطنية، فأصبحت تتقرب إلى روسيا والصين وإيران، وتتخذ مواقف مختلفة من مواقف الدول العربية الأخيرة في الانفتاح على النظام السوري وإعادة العلاقات الدبلوماسية معه وإعادته إلى جامعة الدول العربية جزءاً من هذه السياسة.

   إن المسألة لا تنحصر في حق تلك الدول في إعادة علاقاتها مع سوريا، فتلك مسألة لا يجادل فيها أحد، غير أنها تكمن في أن تلك الدول قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري في ظل الأزمة السورية والحرب الداخلية وتضامناً مع الشعب السوري في مواجهة هذا النظام، بل وساهمت معظم تلك الدول بشكل أو بآخر في هذا الصراع، بل وغذته، وتريد الآن إعادة علاقاتها مع النظام بينما لايزال ذلك الصراع في أوجه ومحتدماً، ولم يتم إيجاد أي حل لإعادة سوريا إلى وضعها الطبيعي. إن مثل هذا الموقف سيكون انتهازياً ولا أخلاقياً إذا لم يتضمن على الأقل مبادرة سياسية أو يضع شروطاً لحل الأزمة السورية قبل إعادة العلاقات.

   يبدو أن بعض الدول العربية تريد استنساخ التجربة العراقية حين ابتعدت أو خرجت من العراق بحجة التدخل الإيراني في العراق وميل النظام العراقي إلى إيران ووجود المليشيات الإيرانية في العراق، ولكنها ندمت فيما بعد وقررت العودة إلى العراق وأن تضغط بوجودها في العراق على الوجود الإيراني، نعم كان ذلك صحيحاً، ولكن الأمر مختلف في سوريا، فقد حولت إيران سوريا إلى ساحة المجابهة مع إسرائيل تحت شعار المقاومة والممانعة فحزب الله اللبناني يصول ويجول في كل المناطق السورية، والقوات الإيرانية والمليشيات العراقية تتموضع في كل شبر من الأرض السورية والنظام السوري لن يتخلى عنها مطلقاً لأنه يعرف بأن هذه القوات بالذات هي التي حمته بالتعاون مع القوات الروسية، وعليه فإنه إذا كانت الدول العربية تعتقد بأنه بإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري يمكنها أن تستعيد سوريا من إيران فإنها تقع في خطأ كبير، وإذا كانت السعودية تعتقد أنه بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران برعاية الصين تستطيع إضعاف الوجود الإيراني، أذرع إيران في المنطقة فإنها تقع في خطأ كبير أيضاً، نعم السعودية قد تستطيع تخفيف التوتر في اليمن، وأن تخفف أعباء الحرب في اليمن عن كاهلها، بل تخفف الأخطار على المملكة من خلال تواجد إيران في اليمن ودعمها اللامحدود للحوثيين، ولكن الوجود الإيراني في المنطقة وأذرعها المختلفة ستبقى تهدد المنطقة برمتها، ولن تضحي إيران بتلك الأذرع، إيران لا يمكنها أصلاً التراجع عن أذرعها، لأن تخليها عن تلك الأذرع تجعلها تنكفئ إلى داخل حدودها وتبقى دولة طبيعية وعند ذلك سيسقط النظام الإيراني ويختنق وقد تنقسم إيران.

   إن كل دولة حرة في علاقاتها الدبلوماسية وحرة في تقدير مصالحها الوطنية، ولكن هناك خطر أن يكون كل ذلك على حساب الشعب السوري، فتكون تلك العلاقات بذلك كارثة للشعب السوري إذ سيعوم النظام من جديد، وتضيع هدراً تضحيات السوريين، نصف الشعب السوري مهجر وبنية البلاد التحتية تدمرت ومئات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين ألا يعني شيئاً لتلك الدول؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى