افتتاحيات الجريدة

الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم الجزيرة تدخل عامها الثامن

العدد (430)

-1-

   في 21/1/2021م طوت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم الجزيرة سبعة أعوام من عمرها، كنتيجة لثورة روج آفاي كردستان التي انطلقت من كوباني في 19 تموز 2012م، في وقت كان القسم الأكبر من مساحتها محتلة من القوى الإرهابية وتتواجد قوات النظام في قسم منها، أعلنت هذه الإدارة في ظل مراهنات كثيرة داخلية وخارجية بعدم استمرارها، ولكنها استمرت بالرغم من التحديات الكثيرة والعدوان العسكري المستمر من قبل تركيا ومرتزقتها من ما يسمى بالجيش الحر وكافة القوى الإرهابية مثل جبهة النصرة وداعش وكل التشكيلات المرتبطة بها، وبالرغم من مؤامرات النظام السوري وإيران والقوى المرتبطة بهما، بل أن هذه الإدارة توسعت لتصبح الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفاي كردستان (الجزيرة – كوباني – عفرين) ولتتشكل بعدها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بإضافة مناطق (دير الزور – الرقة – الطبقة – منبج – الشهباء) والتي أصبحت الغطاء السياسي لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والمرأة، وأسقطت جميع مراهنات القوى المعادية بجميع تنوعاتها الداخلية والخارجية.

   وفرت الإدارة الذاتية الديمقراطية الأمن والاستقرار في جميع مناطق شمال وشرق سوريا، ووحدت كافة المكونات القومية والدينية من الكرد والعرب والسريان والآشوريين والأرمن وغيرهم، وأصبحت أمل كافة هذه المكونات في العيش بكرامة، وأمنت التعليم لجميع السكان في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية باللغات الكردية والعربية والسريانية، وفتحت المعاهد والأكاديميات والجامعات، كما اهتمت بالصحة وفتحت المشافي وأمنت الأدوية وواجهت وباء كورونا، ونظمت الاقتصاد وبنت منظمات المجتمع المدني والإعلام، وأقامت علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول، وفتحت ممثلياتها في العديد من الدول، وقدمت خدمات كثيرة إلى المواطنين.

   لقد جرى كل ذلك في ظل ظروف صعبة من العدوان والحصار والحروب الإعلامية، وخلال كل ذلك حصلت بعض الأخطاء والنواقص، ولم ترتق الخدمات المقدمة إلى مستوى طموحات الشعب، كما ظهرت بعض مظاهر الفساد لدى بعض من ضعاف النفوس، هذه الظاهرة الخطيرة التي يتم الآن شن هجوم واسع عليها، وهناك أعداد كبيرة منهم ومن أي مستوى كانوا رهن الاعتقال والتحقيق.

   نعم، تستمر الإدارة الذاتية قوية ظافرة بالرغم من كل التحديات، وهي تعد بتحقيق المزيد من الإنجازات على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالتخلص من الأخطاء والنواقص، وتطهير مواقع الفساد.

-2-

   تناضل الإدارة الذاتية الديمقراطية بكل القوى السياسية والاجتماعية المنضوية في إطارها وبكل الوسائل والأساليب من أجل تطوير أدائها وتحقيق مكاسب أكبر، فهي تعمل من أجل وحدة الصف الكردي، وفي هذا المجال شكلت مبادرة الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية قاعدة هامة للحوار الكردي – الكردي الذي يجري برعاية دولية من أجل تحقيق هذا الهدف، كما تناضل الإدارة من أجل تأمين حل ديمقراطي عادل للأزمة السورية، ومن أجل ذلك عقدت الكثير من المؤتمرات، وتحاول التقريب بين أطراف المعارضة الوطنية الديمقراطية، وتجري الكثير من الاتصالات مع جميع الأطراف المعنية بحل الأزمة السورية، وكان لها أكثر من لقاء مع النظام السوري، وقدمت رؤيتها للحل الذي تصبح فيه سوريا لجميع السوريين بكل انتماءاتهم القومية والدينية والسياسية، وأنجزت مشروع خارطة طريق للحل، ولا تزال مستمرة في جهودها تلك عبر كل علاقاتها الداخلية والخارجية.

   إن الإدارة الذاتية تشق الآن طريقاً جديدة، وتعمل بكل قوة من أجل تعميق تجربتها الديمقراطية (حرية الأحزاب السياسية – حرية التعبير عن الرأي – تشجيع منظمات المجتمع المدني – تنظيم الاقتصاد…الخ) وبنتيجة هذا النضال الدؤوب يزداد وزن الإدارة الذاتية على جميع الأصعدة داخلياً وخارجياً، فعلى الصعيد الخارجي تنظر العديد من دول العالم بعين الاحترام إلى هذه التجربة الغنية، وتستقبل وفودها، كما تزورها وفود العديد من هذه الدول، بل وتتعاطف دول كثيرة مع مطالب هذه الإدارة ورؤيتها، وأصبحت هذه الأزمة تحظى بقبول بعض الدول العربية، حتى أن هذه الدول تقف ضد الاعتداءات العسكرية التركية عليها، ومثل ذلك يتحقق على المستوى الداخلي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية من حيث تطوير تلك البنى ومحاربة النواقص والأخطاء.

-3-

   إننا نعي الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي تحيط بالإدارة الذاتية ونضالها، فإذا كانت تركيا ومرتزقتها تعاديها من أجل القضاء على تطلعات الشعب الكردي المشروعة، ومن أجل احتلال الشمال السوري بما في ذلك مدينة حلب، ومن أجل تنصيب حكومة موالية لها في دمشق دعامتها جماعة الإخوان المسلمين، وإذا كانت إيران أيضاً تعاديها من أجل القضاء على تطلعات الشعب الكردي، ومن أجل الظفر بسوريا في إطار تمددها في العالمين العربي والإسلامي، وإذا كانت الأزمة السورية قد جرى تدويلها ولم يعد حلها يقتصر على السوريين فقط، وإذا كانت المعارضة السورية قد ارتمت في أحضان تركيا، وارتمى النظام في أحضان إيران، وإذا كانت العديد من دول العالم ومن الدول العربية تتدخل سياسياً وعسكرياً في سوريا، فلا شك أن كل ذلك يؤثر على مسيرة الإدارة الذاتية، وأن مسيرتها شاءت أم أبت ترتبط أيضاً بالأبعاد المحلية والإقليمية والدولية، فنحن نعرف أن احتلال تركيا لعفرين تم بناء على صفقة تركية – روسية مقابل غوطة دمشق ومكاسب روسية أخرى، وغض نظر أمريكي، وكان احتلال تركيا لجرابلس والباب وإعزاز مقابل تسليم تركيا لمدينة حلب إلى روسيا والنظام السوري، ونعرف أيضاً أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد باع سري كانيه وكَري سبي إلى تركيا في صفقة تجارية بالرغم من معارضة أركان إدارته في الكونغرس ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي ومبعوثه الخاص إلى سوريا.

   وعلى هذا الأساس فإنه سيكون للتغيير الذي جرى في أمريكا، ولمجيء إدارة الرئيس جو بايدن انعكاسات هامة ليس فقط على الإدارة الذاتية الديمقراطية، وإنما على الأزمة السورية بشكل عام، فما هي هذه الانعكاسات؟

   جو بايدن سياسي أمريكي مخضرم، ومواقفه السياسية معروفة لدى العديد من الدول وللعاملين في المجال السياسي، وقد أعلن في عدة تصريحات في حملته الانتخابية موقفاً مضاداً من الاعتداءات التركية على الإدارة الذاتية، وقال أن أردوغان حاكم مستبد، وأنه سيعمل على الإطاحة به في الانتخابات، وأكد على بقاء القوات الأمريكية في سوريا في إطار التحالف الدولي لمحاربة داعش، ومن جهة أخرى عين في إدارته عدداً من الشخصيات المعروفة بصداقتها مع الكرد ومع الإدارة الذاتية، يضاف إلى ذلك مواقف فرنسا وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي التي لها قوات عسكرية في التحالف الدولي، والتي تقف بالضد من السياسة التركية في شرق المتوسط، وحتى مواقف بعض الدول العربية وبخاصة مصر والسعودية والإمارات التي تعادي السياسات الإيرانية والتركية، هذه السياسات التي تأتي في مصلحة الإدارة الذاتية ويجب الاستفادة منها إلى أقصى الحدود.

   إن هذه الخارطة السياسية لمواقف تلك الدول تشكل حاضنة إيجابية لتعزيز مواقع الإدارة الذاتية ولإضعاف الميول العدوانية لدولة الاحتلال التركي التي تعاني الآن من صعوبات كبيرة في الملف الليبي، وتراجع في ملفات شرقي المتوسط والخليج.

-4-

   إذا كنا نتوقع ظروفاً وأجواء إيجابية للإدارة الذاتية في المرحلة القادمة فيما يتعلق بالموقف الدولي، وهو أمر مهم للغاية ويجب أن تستفيد الإدارة الذاتية من ذلك إلى أقصى الحدود، ولكننا نعتقد أن ذلك غير كاف بالرغم من أهميته الكبيرة، لأن للمسألة، للقضية وجهان، وهما العلاقات الخارجية والعلاقات الداخلية. نحن نرى أن الوضع الداخلي هو أساس التطور وأن الوضع الخارجي هو شرط التطور، وعليه وبقدر إيلاء الاهتمام للعلاقات الخارجية، فإن أهمية أكبر يجب أن تولى للعلاقات الداخلية (للوضع الداخلي) يجب تعميق التجربة الديمقراطية، والوقوف بجدية على مسألة وحدة الصف الكردي، وحدة نضال الشعب الكردي، وبنفس الجدية على توحيد كافة مكونات شمال وشرق سوريا، وتحسين الوضع المعيشي والاهتمام بكافة القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية والصحة والتعليم وكافة الخدمات المقدمة للشعب، وبخاصة الخبز والماء والكهرباء وشبكة الطرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى