آراء

حلول منقوصة للأزمة السورية المعقدة

   أعرب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، عن أمله في التوصل إلى اتفاق لمساعدة الشعب السوري داخل وخارج سوريا، وذلك أثناء زيارته الأخيرة إلى دمشق، واللقاء مع مسؤولي حكومة دمشق، عشية إعلان قوات سوريا الديمقراطية انتهاء عملية “تعزيز الأمن” في ريف دير الزور، وتثبيت الأمن هناك.

   قد يطلب بيدرسون من الحكومة السورية أن تنخرط في تطبيق مبدأ “الخطوة مقابل خطوة” واللجنة الدستورية، ولكن كل ذلك لن يعيد الاستقرار إلى سوريا كما يتوهم المجتمع الدولي، دون إشراك أطراف النزاع الأساسية في الحوارات وكل اللجان المزمع تشكيلها.

   قرار مجلس الأمن رقم 2254، ينص على تفويض المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لمهام دفع العملية السياسية، بقيادة وتنفيذ السوريين أنفسهم وبدعم من الأمم المتحدة، مع احترام سيادة واستقلال ووحدة وسلامة الأراضي السورية، وهذا ما تسعى إليها الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية من خلال المشروع السياسي القائم، ومن خلال دحر قسد للإرهاب وتثبيت الأمن في المناطق التي يتم زعزعتها من جانب قوى إقليمية وبدعم سياسي من حكومة دمشق ذاتها، وكأن ما يجري من فوضى يتم خارج حدود الجمهورية السورية.

   سياسة صفر مبادرة من جانب دمشق، تعقد الأزمة السورية أكثر، وتجوع الشعب السوري، خاصة وأن مناطق هادئة باتت مناطق ساخنة وصاخبة، وكل الجولات السياسية حول الحل السياسي “المزعوم” لم تتوج بأية مخرج للأزمة سواء لسوريا أو لشعوبها.

   أكدت صحيفة “الوطن” المقربة من دمشق، أن زيارة بيدرسون تأتي في سياق تنشيط المبادرة العربية نحو الحل السياسي، وهذا ضرب من المستحيل في بلاد ممزقة، وتتعدد فيه أطراف الصراع سياسياً وعسكرياً، ولا بد من حوار داخلي جامع أو لن يكون هنالك أية آفاق للحل السياسي المأمول، المدعوم من الخارج دون النظر إلى الواقع المأساوي للشعوب السورية بعد 12 سنة من المعارك والفوضى والتدخلات الإقليمية والخارجية.

   في ظل التدهور الاقتصادي، سوريا بعمومها، بحاجة إلى البدء بمرحلة واضحة مهمتها إنهاء النزاع، والإعلان عن خطوات سياسية مُجدية وفق جدول زمني، تكفل الانتقال الديمقراطي للبلاد وإقامة نظام دستوري جديد يؤسس لنظام ديمقراطي يحقق العدالة للجميع، بدل أن تتحول المظاهرات السلمية “الجديدة” في السويداء وحماة ودرعا، نحو الانزلاق إلى ترديد الشعارات الطائفية التي أصلاً كانت سبباً في تحريف الحراك الثوري في العام 2011.

   بحسب ما يتم الإعلان عنه، فإن احتجاجات السويداء ودرعا تؤجج مخاوف لدى المسؤولين السوريين من امتدادها إلى المناطق الساحلية المطلة على البحر المتوسط، وهي معاقل أقلية الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، وهذا ما سيؤثر سلباً على مجمل المناطق السورية، خاصة وأن هنالك محافظات تم تدمير ثلثها وباتت خراباً، وهناك مناطق محتلة وباتت غير منتمية للخارطة السورية، كما هنالك مناطق الإدارة الذاتية الكردية إلى تقدم مشاريع حل لمجمل الإشكاليات والأزمات القائمة إلا أن عدم جدية نظام دمشق، واعتماده على الحلول الخارجية، بات يعمق الأزمة أكثر فأكثر، وأن استمرار احتجاجات سكان “السويداء” و”درعا” يعني وضع هاتين المحافظتين أمام منح فرصة أخرى للتدخل الإقليمي الذي يتربص بسوريا ككل، ولعبت الدول الإقليمية بكل قوة على وتر الطائفية حتى أوصلت البلاد إلى الحالة المؤسفة التي هي عليها الآن، فباتت سوريا تقدم مشاهد مأساوية يومية لشعوبها، وتصدر صور تراجيدية لكل العالم وسط عدم وجود إرادة دولية لحل الأزمة، وعدم وجود خارطة طريق لحل الأزمة داخلياً.

   إذاً، نحن أمام سياسة “اللا حل”، وزيارة بيدرسون لن تقدم أي جديد، لأن النظام السوري لن يقدم شيئاً، وهذا هو الخلاف مع بيدرسون، الذي لا يملك خطة تنفيذية أو أدوات للضغط على النظام.

   النظام يرى في زيارة غير بيدرسون بأنها إيجابية، لأنه يظل مركز القرار حسب توهمه، والمعارضة العربية تجد في زيارة بيدرسون بأنها مهمة، لتنفيذ القرارات الأممية بكل بنودها، ونقل السلطة لها، بينما تجد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في الزيارة الغناء في صحراء قاحلة، بينما الفوضى منتشرة في كل سوريا وبينها الإرهاب والفقر والانهيار الاقتصادي دون أية حلول إسعافية من جانب حكومة دمشق، ومن جانب المبعوث الأممي ذاته.

   الأزمة السورية تتعقد أكثر، والمجتمع الدولي يقف إلى الآن موقف المتفرج على الكوارث والمآسي.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى