افتتاحيات الجريدة

كيف نواجه تداعيات الاستدارة (المؤامرة) التركية الجديدة

العدد (446)

-1-

  الاستدارة (المؤامرة) التركية الجديدة ليست استدارة تركية محضة، بل تقودها روسيا بالإضافة إلى تركيا وإيران في ظروف الحرب في أوكرانيا وتداعيات الملف النووي الإيراني وما يرافقها من تطورات على صعيد العالم عامة والشرق الأوسط خاصة والتي تتصف بتصعيد خطير على جميع المستويات، ويمكن القول أن الساحة السورية ستكون إحدى تجلياته الرئيسية باعتبارها الساحة الأكثر سخونة بعد أوكرانيا خاصة أن القوات الروسية والتركية والإيرانية وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة متواجدة على هذه الساحة، ويمكن القول أيضاً أن الهدف الرئيسي لهذه الاستدارة هو الحفاظ على النظام السوري بعد تطعيم حكومتها بعدد من رموز الائتلاف ولاسيما الرموز الأخوانية الموالية لتركيا، ومن ثم إعادة سيطرة النظام على المناطق التي تديرها ما تسمى بالمعارضة، والتفرغ للهدف الأساسي والذي ينحصر في نقطتين رئيسيتين هما:

1- القضاء على قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لروج آفاي كردستان – شمال وشرق سوريا.

2- التضييق على قوات التحالف الدولي في سوريا التي تقودها الولايات المتحدة ومن ثم إخراجها من سوريا.

   صحيح أن نجاح أهداف هذه الاستدارة صعبة لأسباب رئيسية منها أن القاعدة الشعبية للمعارضة السورية ترفض هذه المصالحة دون أن تحقق أياً من أهدافها بعد أن قدمت تضحيات جسيمة، أنهار الدماء، والتهجير وفقدان الممتلكات والمعتقلات التي لاتزال تبتلع مئات الآلاف…. الخ وثم هناك جبهة النصرة بمقاتليها الذين يتجاوز عددهم /15/ ألفاً، وكذلك حراس الدين وغيرها من المجموعات الإرهابية، ومنها أيضاً موقف النظام الذي سيحاول الخروج من الأزمة أكثر قوة، ويفرض شروط استدامته في السلطة، ومن جهة أخرى فإن هذه المسألة تتطلب وقتاً قد يكون طويلاً لصعوبة الاتفاق على المصالحة خاصة وأن لكل من روسيا وإيران وتركيا أهدافها الخاصة بها، وتتناقض أهداف كل منها مع أهداف الأطراف الأخرى، إضافة إلى أنه وبالرغم من قوة الأطراف الثلاثة فهي ليست اللاعب الأول والأخير على الساحة السورية لأن الصراع في سوريا في جزء كبير منه صراع دولي إضافة إلى الصراعين الإقليمي والمحلي، فهناك التحالف الدولي الأمريكي الأوروبي وهناك العامل العربي، ثم أنه هناك العامل الداخلي السوري الذي يملك الإرادة والقوة لقول كلمته.

   وفي كل الأحوال ستكون لهذه الاستدارة عواقب وتداعيات مهمة حتى لو لم يكن آنياً، ولكنها تداعيات أكيدة قد يكون من أهم نتائجها بدء جولات جديدة من المواجهات المسلحة ستكون مناطق الإدارة الذاتية هدفاً رئيسياً لها، وهو هدف تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري.

-2-

    إن النتيجة النهائية لهذه الاستدارة (المصالحة بين المعارضة والنظام) إذا تم نجاحها ستنعكس سلباً على سوريا المستقبل، فهي لن تكون مستقلة استقلالاً حقيقياً، بل ستكون تابعة للخارج، وستكون ألعوبة بيده، فروسيا لن تتخلى عنها أبداً لضرورات سياستها الخارجية وكقاعدة انطلاق لها في استراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم، وإيران ستقاتل بكل قوة من أجل الحفاظ على نفوذها ودورها في سوريا وفقاً لسياستها التوسعية الرامية إلى السيطرة على معظم الدول العربية، وهو هدف رئيسي للنظام الإيراني لأنه بدون ذلك ستنكفئ إيران إلى داخل حدودها، وسيسقط بذلك نظام الملالي الرجعي بعد أن يفقد جميع أذرعه الخارجية في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها، ويفشل أيضاً برنامجها النووي الذي كلفها أعباء ثقيلة، وكذلك تركيا التي تعتبر سوريا الممر الطبيعي لها ولمصالحها في جميع المنطقة العربية بما في ذلك دول الخليج.

   وأما التحالف الدولي وعموماً الولايات المتحدة وأوروبا فسيمنى بخسائر جسيمة، وسيكون عليها الخروج من سوريا أو مقاومة القوى الثلاثة بالإضافة إلى النظام السوري، وإلا فإنه سيفتح المجال واسعاً لروسيا وحلفائها مثل الصين وغيرها التي ربحت هذه المعركة فإنها ستربح المنطقة، وإيران التي إن ربحت هذه المعركة فسوف تضع يدها على معظم المنطقة، وسيكون حلفاؤها أمام أخطار حقيقية وجدية، وأما السوري الذي قدم تضحيات هائلة فسيخسر حريته وكرامته ووطنه الذي يحلم به، وفي كل الأحوال سيكون ظفر روسيا وإيران وتركيا بسوريا ليس فقط خسارة للشعب السوري، وإنما سيكون تحولاً في موازين القوى الدولية والإقليمية والمحلية، وسيكون العالم العربي برمته أمام تهديدات مباشرة.

   لقد بدأت فصول هذا الانقلاب (المؤامرة) وهي قيد التنفيذ بالفعل، واللقاءات السرية بين عملاء تركيا في الائتلاف وبين النظام السوري تستكمل فصولها برعاية روسيا وتركيا وإيران، وإذا كانت اللقاءات تجري حتى الآن خلف الأبواب المغلقة فستظهر نتائجها على الأرض قريباً وتباعاً، كل من روسيا وتركيا وإيران في عجلة من أمرها، تركيا في عجلة من أمرها لأن أردوغان يربط نجاحه في الانتخابات القادمة بنجاح هذا الانقلاب إضافة إلى الوضع المتأزم داخلياً في تركيا بسبب تدهور وضعها الاقتصادي والضعف المستمر لشعبيته داخل تركيا وكذلك فشل السياسات الأردوغانية في المنطقة وعزلة تركيا الدولية، وروسيا في عجلة من أمرها بسبب الحرب في أوكرانيا وحاجتها إلى نجاح دولي وكذلك إيران التي هي بحاجة إلى استقرار الوضع السياسي في سوريا بسبب مفاوضات الملف النووي والاحتجاجات الواسعة في عموم إيران والتي تقض مضاجع النظام وكذلك أوضاع حلفائها في العراق ولبنان واليمن.

   إن الإدارة الذاتية الديمقراطية معنية بالدرجة الرئيسية بتداعيات هذه الاستدارة ونتائجها سواء على المستوى السوري بشكل عام أو على مستوى شمال وشرق سوريا بشكل خاص، وعليها التحرك السريع لمواجهة التحديات والتداعيات التي ستظهر عاجلاً أم آجلاً، وفي هذا المجال فإن للوقت أهميته التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار، والتحرك المطلوب يجب أن يكون شاملاً وعلى كافة المستويات السياسية الداخلية والخارجية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه المستويات مترابطة جدلياً ولا يمكن فصلها أو الإقلال من شأن واحدة منها.

-3-

   على المستوى السياسي الداخلي تتصدر أمام الإدارة الذاتية مهام عديدة تتمحور حول فتح باب الحوار الجدي بين جميع القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إطار شمال وشرق سوريا بما في ذلك الحوار الكردي – الكردي، والحوار بين جميع المكونات القومية والدينية بهدف تشكيل جبهة داخلية موحدة وقوية تتصدى لجميع المؤامرات والمخططات التي تحاك ضد الإدارة الذاتية، وتبدأ معها وفي نفس الوقت مهمة التواصل مع أطراف المعارضة الوطنية والديمقراطية السورية، وفتح حوار جاد معها من أجل التوافق على برنامج للعمل الوطني وبرنامج واضح لسوريا المستقبل، سوريا (الديمقراطية – التعددية – اللامركزية) والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يضمن وحدة سوريا من جهة، كما يضمن من جهة أخرى أن تكون سوريا وطناً لجميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية، ويتمتع فيها الجميع بحقوقهم القومية والديمقراطية، هناك أطراف في المعارضة ليست مرتهنة للائتلاف وحماته من الأتراك وجماعة الأخوان المسلمين، وبقدر الجهود المبذولة يمكن استمالتها وتوحيدها ووضعها في خدمة الشعب والوطن السوري، وفي ظروف هذه الاستدارة (المؤامرة) يمكن كسبها إلى جانب النضال الوطني الديمقراطي المشترك، وإذا كانت هناك بعض الجهود في السابق في هذا المجال فيجب تطويرها بالجدية اللازمة، وإذا كانت (قسد) والقوى الأمنية الأخرى هي مظلة شمال وشرق سوريا العسكرية والأمنية، و(مسد) هي مظلتها السياسية فيجب تطوير (قسد) وتعزيز قواتها وتزويدها بمختلف الأسلحة المتطورة من أجل حماية روج آفاي كردستان – شمال وشرق سوريا، وتعزيز دور (مسد) على الساحتين السورية عامة وشمال وشرق سوريا خاصة لاستقطاب جميع القوى والفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولتأخذ دورها على الصعيد الخارجي كممثلة لشمال وشرق سوريا، وعلى المستوى السياسي الخارجي فيجب تطوير الجهود الدبلوماسية لكسب الأصدقاء على الساحة الدولية والساحة العربية لمساندة نضال شعبنا تجاه القوى المعادية. وعلى الساحة الداخلية فإن إنجاز الوحدة الداخلية، الداخل القوي الملتف حول قوات سوريا الديمقراطية يتطلب تعزيز الاقتصاد، تطوير الزراعة وجميع القطاعات المنتجة، تحسين الخدمات ومشاركة الشعب في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتوفير المستلزمات التي تحد من الهجرة، وعدالة توزيع الثروة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى