افتتاحيات الجريدة

تطورات الحرب في أوكرانيا وانعكاساتها على الساحات الدولية والإقليمية

العدد (442)

-1-

   الوضع الدولي بعد بدء الحرب في أوكرانيا في تطور عاصف على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فالغرب كله منهمك في تقديم الدعم والمساندة بالمال والسلاح والدبلوماسية إلى أوكرانياليس فقط من أجل إفشال الهجوم العسكري الروسي، وإنما من أجل تحجيم الدور الروسي الباغي، وإنهاك روسيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وربما تفكيكها والتخلص من عدو طالما شكل تحدياً للغرب بأجمعه كدولة نووية عظمى، ويعمل أيضاً من أجل توسيع حلف الناتو وتعزيز موقعه العسكري، ومن أجل ذلك يخوض تحركاً دبلوماسياً واسعاً، ويعمل بكل طاقته من أجل تشكيل تجمع دولي مناهض لروسيا ومقاطعة بضائعه وبخاصة البترول والغاز، ويعمل أيضاً على تحصين أوروبا ضد ما يسميه بالخطر الروسي المحدق، وإبقاء الولايات المتحدة ومعها الغرب كقطب أوحد.

ومن جهة أخرى فإن روسيا وبالرغم من العقوبات الغربية الواسعة وغير المسبوقة فإنها تعمل جاهدة من أجل تحقيق أهدافها في أوكرانيا، وبخاصة إيجاد وضع خاص في إقليم دونباس ذو الأغلبية الروسية، ومنع دخول أوكرانيا في حلف الناتو وإن كان ذلك يجري ببطء ويصادف عقبات كبيرة، كما أنها تعمل من أجل تشكيل تحالفات دولية لمواجهة حلف الناتو، وقد كسبت بعض الأصدقاء من بينها إيران، وتحافظ على دورها في سوريا، وتتجه نحو الشرق سواء كان الصين أو الهند أو كوريا الشمالية وغيرها، كما تحاول تحييد بعض الدول في الصراع الناشب بينها وبين الغرب، وأما الصين كقوة عالمية وعملاق اقتصادي وعسكري فتعرف جيداً بأنها كانت المطلوب رقم /1/ لدى الولايات المتحدة، وأن الحرب التي بدأها الروس في أوكرانيا قد حولها إلى المطلوب رقم /2/ بعد روسيا، وتعرف أن دورها في المواجهة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو آت لا ريب فيه، ولذلك فإنها تعد عدتها وستعمل أن لا تخسر روسيا وستدعمها اقتصادياً وسياسياً وربما عسكرياً وإن بهدوء وعدم إثارة، لأنها في حال خسارة روسيا ستكون هي على الدور، وهناك العديد من الدول التي تعيش في خوف وقلق من نتائج هذا الوضع، فمصر ودول الخليج قلقة بشأن تطور موضوع النووي الإيراني الذي هو في صلب الصراع الدولي من جهة، ومن النتائج التي ستنجم عن الحرب في أوكرانيا من جهة أخرى، ولهذا نجدها غير متحمسة في الانضمام الصريح إلى الموقف الغربي بالرغم من زيارات المسؤولين الأمريكان إليها وطمأنتها، كما نجدها لا تتحرج بين تواصلها مع روسيا وتطوير علاقاتها الاقتصادية مع الصين، وأما تركيا العضو في حلف الناتو، وبالرغم من تقديمها المساعدة إلى أوكرانيا وبخاصة مسيرات بيرقدار ومن إعلانها تأييد أوكرانيا، فإنها تزن علاقاتها مع روسيا بشكل دقيق ولا ترغب في إزعاجها إلى درجة قد تصل إلى التوتر بينهما، وتحمي علاقاتها الاقتصادية مع روسيا، ومن هنا كان اعتراضها على انضمام كلاً من فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، وإذا كانت حجة تركيا في ذلك دعم الدولتين المذكورتين لحزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية فإنها تريد بين ذلك حتماً الضغط على كل الجهات بما في ذلك حلف الناتو من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإدخالها في صفقات ضد الشعب الكردي الذي تعتبره تركيا العدو رقم واحد، ولكنها من جهة أخرى تريد تسديد خدمة لروسيا بعرقلة دخول الدولتين المذكورتين إلى حلف الناتو لحاجتها إلى التفاهم مع روسيا حول بعض المسائل ومن بينها سوريا والإدارة الذاتية ومصالحها في معاداة الشعب الكردي وكذلك الوضع بين أذربيجان وأرمينيا، وأيضاً مصالح التبادل التجاري بينهما.

   إن الآثار الاقتصادية للحرب في أوكرانيا لا تخفى على أحد، فقد ارتفعت أسعار كافة المواد الغذائية في العالم كله، وبالتالي فإن هذه الآثار تلقي بظلالها على العالم أجمع وستؤدي في النهاية إلى تشكيل تكتلات اقتصادية جديدة، إضافة إلى أقطاب جدد وتكتلات سياسية جديدة، ويمكن القول أيضاً بأن الوضع الدولي الذي يتشكل حالياً على المستوى الدولي يشبه إلى حد بعيد الوضع الدولي الذي تشكل قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأن الحرب العالمية الثالثة هي ناشبة الآن وإن بشكل مختلف، وعليه فإن أنظار العالم كله تتجه الآن إلى نتائج الحرب في أوكرانيا، وقد يكون صحيحاً ما يردده البعض من أن العالم بعد الحرب الأوكرانية لن يكون العالم قبل هذه الحرب.

-2-

   المهم بالنسبة لجميع السوريين، وللإدارة الذاتية في روج آفاي كردستان وشمال وشرق سوريا هو معرفة كيف ستنعكس هذا الوضع الجديد على أوضاعها، وعلى أوضاع الشعب الكردي عموماً، وكيف يجب التعامل مع هذا الظرف الجديد؟

   بالنسبة للنظام موقفه معروف، فهو جزء من موقف روسيا وسياساتها، وجزء من موقف إيران وسياستها، وسيكون وضعه مرتبطاً بالوضع الروسي وبالوضع الإيراني، وخاصة بعد وضوح مسألة النووي الإيراني سلباً أو إيجاباً، وهو أيضاً جزء من السياسة المعادية للغرب، وفيما يتعلق بالإدارة الذاتية وبالشعب الكردي فهو أيضاً سيتأثر بنتائج هذه، بل أنه ومنذ البداية ضمن الحسابات السياسية للدول الغاصبة لكردستان التي تبحث عن مساومات من أجل محاربة الكرد.

   هناك قاعدة تقول أنه في حالات اشتداد الصراع قد تتمكن بعض القوى الصغيرة – والشعب الكردي هو من بين هذه القوى – من الاستفادة من مثل هذا الوضع وتحقيق بعض المكاسب، ولذلك فإنه من المتوقع في المرحلة الحالية أن يقوم التحالف الدولي بحماية شمال وشرق سوريا ليس فقط من داعش، وإنما أيضاً من اعتداءات النظام وإيران، ولن يسمح لأية جهة من المساس بوضع الإدارة الذاتية الحالي، وكان القرار الأمريكي باستثناء شمال وشرق سوريا والمناطق التي تقع ضمن سيطرة تركيا من قانون قيصر، وإدخال الشركات والاستثمارات إليها لتطوير قطاعات التربية والصحة والزراعة وغيرها مؤشراً على صحة هذا الاستنتاج، بما في ذلك منع تركيا من القيام بأي هجوم جديد على مناطق الإدارة الذاتية، ولكن ومع كل ذلك فإن الاتكال على هذا الأمر على أهميته غير كاف، ولا بد من توفير وتأمين العوامل والشروط التي تتعلق بنا، ومن أهمها تعميق التجربة الديمقراطية للإدارة الذاتية، وتأمين متطلبات التفاف الشعب حولها، وهي متطلبات سياسية واقتصادية واجتماعية ودبلوماسية وعسكرية تشكل بمجموعها العامل الذاتي الذي يجب العمل من أجل تعزيزه وتطويره، لأن العاملين الموضوعي والذاتي متلازمان في عملية ديالكتيكية من أجل تحقيق النصر والنجاح في الوصول إلى الأهداف المرجوة.

-3-

من الطبيعي أن يعمل كل غاصبي كردستان من أجل الاستفادة من أجواء هذه الصراعات الدولية ليس فقط من أجل عرقلة حركة التحرر الوطني الكردستانية، وإنما من أجل ضربها وإعادتها إلى المربع الأول، وإعادة القضية الكردية إلى الأطر المحلية للدول التي تغتصب كردستان، ويقيناً فإنهم يحاربون الشعب الكردي بمجمله وليس طرفاً واحداً أو حزباً بعينه.

   ليس هناك من بين غاصبي كردستان صديق لأي جزء أو لأية قوة كردية مهما تظاهروا بذلك، ويجب أن تكون قاعدة ((قد يختلف غاصبو كردستان حول أي شيء، ولكنهم يتفقون جميعاً على معاداة الشعب الكردي)) واضحة لكل كردي ولكل القوى والأحزاب الكردية، ولنأخذ كل العبر والدروس من موقفهم الجماعي المعادي لاستفتاء عام 2017م في إقليم كردستان العراق.

ومن الطبيعي أيضاً أن تظهر بعض الخلافات بين أطراف الحركة الوطنية الكردية في الجزء الواحد من كردستان، أو بين أطراف الحركة الوطنية الكردية في أجزاء كردستان، ولكنه ليس من الطبيعي أن تتحول تلك الخلافات إلى مواجهات وتناحرات، وليس من الطبيعي أيضاً أن تعتمد أطراف الحركة على أي من مغتصبي كردستان.

   إن المرحلة التي يمر بها نضال شعبنا الكردي في عموم أجزاء كردستان مرحلة دقيقة وخطيرة وحاسمة تستدعي توحيد نضال الشعب الكردي لأن قوة الكرد في وحدتهم وهي العامل الأساسي في انتزاع الشعب الكردي لحقوقه القومية الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى