افتتاحيات الجريدة

مجموعة الضامنين في أستانا (روسيا – تركيا – إيران)

العدد (431)

-1-

   بذكاء روسي تم تصميم أهداف ونتائج اجتماعات أستانا بين كل من روسيا وإيران من جهة وهما تضمنان موقف النظام السوري وبين تركيا من جهة أخرى وهي تضمن موقف ما تسمى بالمعارضة السورية وفصائلها المسلحة، وبذلك تكون مجموعة الضامنين قد تشكلت من ثلاث دول تدخلت عسكرياً في سوريا ولكل منها أهدافها الخاصة ومطامعها الخاصة في سوريا، وهي أهداف لا تخفى على أحد.

   منذ الاجتماع الأول لضامني أستانا وكان يحضرها بالإضافة إلى الدول الثلاث ممثلو النظام والمعارضة، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في سوريا ستيفان ديمستورا وممثل عن الولايات المتحدة بصفة مراقب، وفيما بعد أضيف إليها ممثلون عن دول أخرى حدثت تطورات مهمة على الأرض السورية، فقد كان الضامنون يتفقون على خفض التوتر في منطقة ما من الأرض السورية بين كل من قوات النظام ومسلحي المعارضة، وكان يتم بالفعل تخفيض العمليات العسكرية في تلك المنطقة لعدة أيام، ثم كانت قوات النظام تشن هجمات عسكرية واسعة في تلك المنطقة، فيتدخل ضامنو أستانا لإيجاد حل كان عادة ينتهي بعقد صفقة تتضمن إخراج مسلحي المعارضة من المنطقة المذكورة مقابل حصول تركيا أردوغان على مكاسب في منطقة أخرى، كأن تسمح روسيا لتركيا باحتلال منطقة أخرى من المناطق الكردية مقابل المنطقة التي دخلت إليها قوات النظام، وعلى سبيل المثال سمحت روسيا لتركيا باحتلال جرابلس والباب وإعزاز مقابل تسليم حلب إلى النظام، وسمحت لتركيا باحتلال عفرين مقابل خروج مسلحي المعارضة من غوطة دمشق، وهكذا دواليك إلى أن خرجت مناطق واسعة من الأرض من سيطرة مسلحي المعارضة وبقيت تلك القوات محصورة في محافظة إدلب ومناطق محدودة في شمال حلب وشمال حماة، واستعاد النظام مساحات واسعة إلى سيطرته.

   هكذا بدأت أستانا التي صممت بأن تكون بديلة عن اجتماعات جنيف برعاية الأمم المتحدة بين كل من النظام والمعارضة، ويبدو أنها لم تنته بعد، إذ عقدت عدة اجتماعات أخرى لهؤلاء الضامنين في سوتشي كانت تنتهي بالوصول إلى اتفاقات على غرار الاجتماعات التي كانت تعقد في العاصمة الكازاخية أستانا، ومنذ حوالي شهرين وعلى إثر هجمات تركية وقصف على مدينة عين عيسى وريفها طلبت روسيا من قوات سوريا الديمقراطية أن تسلم مدينة عين عيسى إلى النظام السوري، وإلا فإن تركيا ستهاجمها وتحتلها، وجرى ضغط مماثل آخر إذ قطعت تركيا ومرتزقتها مياه علوك عن مدينتي الحسكة وتل تمر وريفيهما، علماً أن روسيا ضمنت عدم قيام تركيا بأعمال عدوانية أخرى بعد احتلالها لسري كانيه وكَري سبي، ولكن روسيا لم تحرك ساكناً، بل بالعكس كانت تضغط على قوات سوريا الديمقراطية بتسليم مزيد من الأراضي إلى النظام، وهذا يعني استمرار منهج أستانا الذي يهدف إلى قضم قطعة فقطعة من الأرض، وإعادتها إلى النظام، ويبدو أن ضامني أستانا تهدف إلى نفس اللعبة مع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التي تستوعب اللعبة تماماً وتفشلها.

-2-

   لأن الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية قد استوعبتا منطق أستانا فقد أعلنتا أنها لن تسلم عين عيسى إلى النظام، وقامت بتعزيز قواتها في المنطقة ودافعت عنها بشكل بطولي وأسقطت المؤامرة الثلاثية الأضلاع (روسيا – تركيا – إيران)، ولأن ترامب الذي باع سري كانيه وكري سبي إلى أردوغان قد رحل وجاءت إدارة أخرى إلى البيت الأبيض، ولم يعد بإمكان أردوغان أن يحتل منطقة أخرى عبر صفقة أخرى، فإن مجموعة أستانا قد كشفت عن وجهها بشكل سافر في بيانها الختامي الذي عقد في سوتشي، إذ شنت هجوماً واسعاً على الإدارة الذاتية بشكل صريح وسافر، وألصقت بها تهماً كثيرة.

   إن تركيا وإيران دولتان غاصبتان لكردستان، وهما معاديتان للشعب الكردي سراً وعلانية، ونحن لا نستغرب مواقفهما المعادية للشعب الكردي في عموم أجزاء كردستان، ولكن لماذا هذا الموقف الروسي؟ روسيا تعرف حقاً عدالة القضية الكردية، وتعرف تاريخ الشعب الكردي المليء بالاضطهاد وحروب الإبادة التي مورست ولازالت تمارس ضده، وهي تردد بأنها صديقة للشعب الكردي، وهذا صحيح فالشعب الروسي بأغلبيته الساحقة يتعاطف مع قضية الشعب الكردي العادلة، وتعرف روسيا بأن التحالف الدولي (الولايات المتحدة) قد تدخل في سوريا عسكرياً من أجل مساعدة المعارضة، وليس من أجل مساعدة الكرد، وأن التعاون بين التحالف والإدارة الذاتية قد بدأ في المراحل الأخيرة من هجوم داعش على كوباني.

   بعد صدور البيان الختامي الأخير لمجموعة أستانا الذي عقد في سوتشي، فإن الأمور بدأت تتوضح أكثر فأكثر حول حقيقة الموقف الروسي من الإدارة الذاتية، ويجب الحذر الشديد إزاء المكائد التي قد تثار في الأيام القادمة، فقد دأبت روسيا منذ مدة طويلة على حث الإدارة الذاتية بالدخول في حوارات مع النظام، وكانت الإدارة الذاتية تقبل بالدور الوسيط لروسيا في هذه الحوارات، وبناء على طلبها جرى أكثر من لقاء بين الإدارة الذاتية والنظام، ولكن في كل مرة كانت الإدارة الذاتية تصطدم بتعنت النظام وإصراره على العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل عام 2011م وكأن شيئاً لم يحدث في سوريا خلال السنوات العشر الأخيرة، ومع ذلك لم تقم روسيا بواجبها في الضغط على النظام الأمر الذي يوضح بجلاء ليس فقط عدم جدية الموقف الروسي وإنما انحياز الكامل إلى النظام.

   إن البيان الأخير لمجموعة أستانا، أي بمشاركة روسيا مع تركيا وإيران الغاصبتين لكردستان والمعاديتين للإدارة الذاتية يوضح بجلاء أن روسيا ليست فقط منحازة إلى النظام السوري، وإنما هي منحازة إلى تركيا وإيران في العمل ضد الإدارة الذاتية الأمر الذي يوجب عدم الانجرار وراء مخططاتها في المنطقة.

-3-

   في هذه الأثناء، أي مع صدور هذا البيان سيء الصيت، تطالب روسيا الإدارة الذاتية بالسماح للنظام بفتح صناديق الاقتراع لما يسمى بانتخاب الرئيس في مناطقها على أن تبذل روسيا جهودها لفتح حوار بين الإدارة الذاتية والنظام بعد انتهاء الانتخابات.

   إن هذا المطلب الروسي لا يعتبر فقط فخاً ينصب للإدارة الذاتية، وإنما يعتبر أيضاً إضافة جديدة لمواقفها الرامية لإنقاذ النظام وتعزيز مواقفه على حساب الإدارة الذاتية الأمر الذي سيلحق أشد الضرر بمواقف الإدارة ونجاحاتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية على الصعيد الدولي التي تحققت في الفترة المنصرمة، فأية انتخابات رئاسية هذه التي ستجري بينما أكثر من نصف الشعب السوري مشردين، الهجرة إلى الخارج والنزوح الخارجي، وبينما الحرب الطاحنة لاتزال تجري على الأراضي السورية، ولا يظهر النظام خلال كل ذلك أي مخرج في هذه الأزمة التي أنهت عامها العاشر وتدخل عامها الحادي عشر.

   على الإدارة الذاتية أن تكون مبدئية في موقفها في هذا المطلب الروسي، وأن لا تسمح بفتح مراكز اقتراع لهذه الانتخابات في مناطقها مثلما رفضت ذلك في الانتخابات السابقة.

-4-

   لقد حاورت الإدارة الذاتية روسيا مراراً من أجل العمل على حوار مع النظام السوري وغيرها من قوى المعارضة من أجل التوصل إلى حل حقيقي للأزمة السورية، ولا تزال الإدارة الذاتية تطالب الاتحاد الروسي بالالتزام بتعهداته، وبخاصة التعهدات التي قطعته بإيقاف الاعتداءات التركية بعد احتلالها لسري كانيه وكري سبي، وتطالبه أيضاً بتوضيح موقفه من البيان الأخير الصادر عن مجموعة أستانا لأنها تعرف الموقفين التركي والإيراني ولكنها تستغرب أن يكون الموقف الروسي منسجماً مع موقف هاتين الدولتين.

   موقف الشعب الروسي في موقع التعاطف مع الشعب الكردي المضطهد ونحن نقدر ذلك، ونأمل أن يتطابق موقف القيادة الروسية مع هذا الموقف الشعبي الروسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى