ثقافة ومجتمع

صورة المرأة الكردية في الإعلام بين الحداثة والنمطية مقارنة مع صورة المرأة في الإعلام العربي

   تلعب وسائل الإعلام دوراً جوهرياً في تشكيل الوعي الجمعي تجاه المرأة، سواء من خلال تقديم صورة حداثية تحررية، أو تكريس أنماط تقليدية جامدة. فهي ليست مجرد ناقل للواقع، بل فاعل في بنائه وإعادة إنتاجه، في السياق السوري، وتحديداً ضمن المناطق الكردية، حيث حضور المرأة الكردية في الإعلام المحلي مختلف وجدي بشكل لافت، مقارنة بما نراه في الإعلام العربي، حيث تتباين الصور والرسائل التي تقدم عن المرأة بشكل كبير.

   ففي وسائل الإعلام المحلية التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، تصور المرأة الكردية بشكل بارز كمقاتلة، قيادية، وصاحبة دور محوري في النضال السياسي والاجتماعي، يتم تسليط الضوء على مشاركتها في قوات حماية المرأة (YPJ)، وعلى دورها في مؤسسات الحكم والإدارة، ويساهم هذا الحضور في تقديم صورة تحررية تقدمية تعكس فلسفة تحررية تنتمي للبراديغما الأخلاقية التي تتوزع على احترام حقوق المرأة وحريتها وحماية البيئة وبناء الديمقراطية، والتي تسعى عموماً  لإبراز المرأة كشريك متساوي للرجل في كل الميادين.

   ومع ذلك، فإن هذا التمثيل لا يخلو من الانتقادات، إذ يرى بعض النقاد أن هناك توظيفاً سياسياً للمرأة من قبل الأطر الإعلامية الأيديولوجية، حيث يتم التركيز على صورة المرأة المناضلة، مع إغفال الجوانب الأخرى من حياتها مثل التعليم، الصحة، والعلاقات الاجتماعية. ومع ذلك، يبقى حضورها كصاحبة قرار ومشاركة في المشهد الإعلامي والسياسي متميزاً مقارنة بنساء أخريات في الإعلام العربي.

   أما في الإعلام العربي فإن الصورة تختلف كثيراً. ففي العديد من وسائل الإعلام العربية، ما تزال المرأة تظهر ضمن أدوار تقليدية مثل الزوجة، الأم، أو الفتاة الاستهلاكية ذات الطموح الذي لا يعلو أكثر من حصولها على فرصة زواج أو منزل أو عمل، بالإضافة إلى زيادة اهتمامها بمظهرها الخارجي على شاشات الإعلان المرئي على العكس من الإعلاميات الكرديات اللاتي لا يهتمن بهكذا أمور.

   رغم ذلك، توجد بعض التجارب الإعلامية في دول عربية تظهر تطوراً نسبياً في تمثيل المرأة، خاصة في مجالات الفن، وريادة الأعمال، أو الإعلام المهني، ولكن هذه الصور تظل في كثير من الأحيان استثناء لا يعكس التيار العام، الذي لا يزال يحد من ظهور المرأة صاحبة قرار أو كمؤثرة في الشأن العام.

   الفرق الجوهري يكمن في طبيعة الخطاب الإعلامي ذاته؛ حيث يتبنى الإعلام الكردي خطاباً أيديولوجياً نسوياً تحررياً، بينما تتفاوت الخطابات العربية بين المحافظة والتجارية، ما يؤدي إلى تغييب الكثير من القضايا الحقيقية التي تواجهها النساء العربيات.

   تكشف هذه المقارنة أن تمثيل المرأة في الإعلام لا ينفصل عن السياقات السياسية والاجتماعية التي تنتج فيها المادة الإعلامية، ففي الوقت الذي تحظى فيه المرأة الكردية بحضور إعلامي قوي يعكس مساعي سياسية لتحريرها وتمكينها، تظل المرأة في الإعلام العربي أسيرة الصور النمطية والأدوار التقليدية، ما يعكس خللاً في البنية الإعلامية العربية عموماً، وتبرز الحاجة لإعلام عربي أكثر توازناً، يعكس الواقع المعقد للمرأة، ويعزز حضورها كمواطنة فاعلة، لا كعنصر تجميلي أو ضحية فقط.

بناز عثمان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى