افتتاحيات الجريدة

من روج آفاي كردستان إلى جنوب كردستان ومن ليبيا إلى شرق المتوسط

العدد (426)

-1-

   من يراقب تطورات الأوضاع في المنطقة يمكنه أن يرى بوضوح تراجع الاندفاعية التركية بوضوح بعد أن هاجمت في جميع الاتجاهات متجاهلة كل شعوب المنطقة بل شعوب العالم وحكوماتها، ففي ليبيا يستمر الحوار الليبي – الليبي الذي يحقق تقدماً نحو الاتفاق واستقرار الأوضاع، وبالتأكيد فإن تركيا تدرك أن أية عملية سلام حقيقية في ليبيا ستبنى على أساس خروج القوات الأجنبية منها، وفي المقدمة منها القوات التركية ومرتزقتها، وستلغي أيضاً الاتفاقية المبرمة بين تركيا وحكومة الوفاق، ويعرف الجميع أن التوصل إلى هذه النتيجة لم تأتِ من فراغ، وإنما أتت على وقع مواجهة كبيرة كانت ستقع بين تركيا ومصر، مصر التي صممت حتى النهاية إفشال المشروع التركي، ومصر لم تكن لوحدها وإنما كانت معها السعودية والإمارات واليونان وقبرص ودول أوروبية في مقدمتها مصر، وبهذا فإن الأعمال البربرية لتركيا باءت بالفشل في ليبيا.

   وفي شرق المتوسط فإن حال تركيا فيها لن يكون بأحسن من حالها في ليبيا، فقد تجمعت في وجهها أوروبا ومصر والسعودية والإمارات إضافة إلى اليونان وقبرص، بل أن الولايات المتحدة وقفت إلى جانب قبرص واليونان وهي تجري الآن مناورات بحرية معها في البحر المتوسط، وهذا ما أجبر تركيا على سحب سفينتها التي كانت تقوم بالتنقيب في المنطقة الاقتصادية لليونان وقبرص، خاصة أن الاتحاد الأوروبي كان بصدد وضع عقوبات اقتصادية على تركيا.

   وأعلنت تركيا وقف عمليتها العسكرية في باشور كردستان، وهذا أيضاً لم يأتِ من فراغ كما لم يأتِ من كرم تركيا، وإنما يرتبط بجملة من العوامل، منها العزلة الدولية الواسعة لتركيا، وعدم تمكنها من تحقيق أهدافها بسبب المقاومة الكبيرة لقوات الدفاع الشعبي، وتكبد الجيش التركي خسائر كبيرة مع قدوم فصل الشتاء وعدم تمكن القوات التركية من الاستمرار في حملتها في الظروف الجبلية القاسية من حيث وعورة الجبال، وربما لم تكن هذه العوامل هي السبب الوحيد لإيقاف عمليتها العسكرية لأن تراجعها وفشلها على الجبهات الأخرى يضاف أيضاً إلى أسباب إيقاف عمليتها العسكرية في جنوب كردستان، وأثارت تركيا ومرتزقتها وطابورها الخامس حملة إشاعات واسعة بقرب هجومها على مناطق روج آفاي كردستان، وثبت أن ذلك لم يكن إلا بروباغندا الهدف منها هو رفع معنويات جيشه ومرتزقته.

   وإذا كانت تركيا تخسر على الجبهات المذكورة أعلاه، فإننا نعتقد بأن الخسارة الكبيرة لأردوغان وحزبه ستكون في الداخل التركي، فالجميع يشاهد التدهور المستمر في الاقتصاد التركي، وإذا نفذت أوروبا تهديداتها بإيقاع العقوبات الاقتصادية الثقيلة على تركيا فإن الاقتصاد التركي سيتلقى ضربة قاصمة، وهذا ما انعكس وسينعكس بقوة على موقع أردوغان وحزبه الذي بدأ يخسر منذ فترة قاعدته الشعبية وحتى قاعدته الحزبية.

-2-

   وقعت منذ أيام وثيقة تفاهم بين كل من مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الإرادة الشعبية، وقعت لموافقة في موسكو وتم الترحيب بها من قبل روسيا، ولهذا فقد اعتبر العديد من المراقبين ذلك خطوة مهمة واختراقاً وتحولاً في جبهة موسكو.

   من المعروف أن حزب الإرادة الشعبية هو حزب صغير وليس لديه دور مؤثر أو كبير على مجريات الأمور في الأحداث على الساحة السورية سوى بكونه مقرباً من روسيا ويقود سكرتيره السيد قدري جميل منصة موسكو، ومن يقرأ نص مذكرة التفاهم يدرك جيداً أن ما اتفق عليه هو بكامله برنامج مجلس سوريا الديمقراطية أي أن السيد قدري جميل لم يحدث أي تغيير في توجه قوات سوريا الديمقراطية، وإنما مال إليه، ووافق على توجهه، وبذلك استطاع حزب الإرادة الشعبية أن يحدث التحول أو الخرق الذي تحدثنا عنه، والأمر لا يقف هنا، بل يتعداه إلى تأييد موسكو لمذكرة التفاهم، إذ يعتقد الكثيرون بأن هذه الاتفاقية إنما وقعت مع موسكو بشكل غير مباشر، وهذا يشكل تغيراً في موقف موسكو تجاه كيفية حل الأزمة السورية، وهو ما حدا بتركيا إلى الإعلان مباشرة عن رفضها لهذه المذكرة، وحسب بعض التسريبات أن لافروف في زيارته الأخيرة إلى دمشق طلب من القيادة السورية قبول مضمون هذه المذكرة.

   قد لا تلتزم روسيا بهذه المذكرة، وقد يكون تأييدها لمذكرة التفاهم هذه لأسباب تكتيكية بالنظر إلى وجودها الجديد في شرق الفرات بعد الانسحاب الأمريكي منذ حوالي سنة، وربما تريد روسيا الضغط على تركيا بإخافتها من بناء علاقات طيبة مع مجلس سوريا الديمقراطية، أو بهدف مشاركة أمريكا في وجودها في منطقة شرق الفرات ومحاولة كسب الورقة الكردية، ولكن هذه الوثيقة كانت مهمة أيضاً لمجلس سوريا الديمقراطية لأسباب عديدة منها أن روسيا لاعب رئيسي على الساحة السورية والتوصل معها إلى مثل هذه المذكرة يحمل الكثير من الفائدة، وربما تدفع هذه المذكرة إلى تعزيز علاقات روسيا مع قسد ومسد ومع الكرد بشكل عام، وفي كل الأحوال فإن المذكرة قد تدخل مسد في صلب عملية الحل في الأزمة السورية، ويمكن القول أيضاً أنه في فترة انتخابات الرئاسة الأمريكية والانتظار إلى ما ستكشفه هذه الانتخابات، فقد جاءت هذه المذكرة لتشكل حائط صد لأية مغامرة تركية بالهجوم على مناطق شمال وشرق سوريا.

   وفي كل الأحوال فقد جاءت هذه المذكرة في وقت مهم لتعزز من مواقع الإدارة الذاتية الديمقراطية فيما يتعلق بالوضع الداخلي السوري، وبالتالي حل الأزمة السورية، ولتعزز من وجودها وجلب التأييد الدولي لها.

-3-

   إذا كان وضع الإدارة الذاتية الديمقراطية يتعزز سواء من خلال الحوار الكردي – الكردي أو من خلال توسع الانفتاح الدولي عليها أو من خلال تعزز قدراتها الذاتية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، فإن المؤشر الإيجابي الثاني هو ضعف جبهة القوى المعادية وبخاصة تركيا وإيران، فكما أسلفنا أعلاه إذا كان الضغط على تركيا أدى إلى إضعاف مواقعها في ليبيا وشرق المتوسط وكردستان العراق وحتى على مستوى الداخل التركي، فإن الوضع الإيراني أسوأ، ومن المتوقع أن يتراجع دور حليفها حزب الله اللبناني، كما أن نشاط الحكومة العراقية الحالية يؤدي إلى إضعاف الدور الإيراني في العراق بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي والوضع الداخلي السيئ في إيران.

   إن تراجع الدور الإيراني والتركي، بل إن إضعاف الدورين يأتي بلا شك في مصلحة جميع شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الكردي، ويؤدي ذلك أيضاً إلى تسهيل إمكانية حل الأزمة السورية. إن كلاً من تركيا وإيران هما اللتان أوصلتا الأوضاع في سوريا إلى ما هي عليها، وبالتالي فإن الأزمة السورية لن تجد طريقها إلى الحل إلا بإخراج الدولتين من الأراضي السورية ومن الملف السوري، إضافة إلى أن كلتا الدولتين تمارسان صراعاً متعدد الأشكال ضد الشعب الكردي عموماً وضد الإدارة الذاتية في روج آفاي كردستان وشمال وشرق سوريا.

-4-

   إن آفاق الحل للأزمة السورية لا تزال مسدودة، ومعالمها لازالت غير واضحة ويكتنفها الكثير من الغموض والضباب الكثيف ليس فقط من جهة أطراف الداخل السوري، وإنما أيضاً من جانب القوى الإقليمية والدولية وصراعها في وعلى سوريا، ففي اجتماعات اللجنة الدستورية الأخيرة ظهر جلياً أن هذه اللجنة لاتزال بعيدة عن الدخول في صلب عملها، فأن يطلب النظام تأجيل عقد الاجتماع لعدة أيام بحجة إصابة عدد من أفراد وفده بفيروس كورونا دليل على عدم جدية النظام، وعدم التزامه بالتوصل إلى الدستور المنشود أصلاً، كما أن وفد ما يسمى بالمعارضة السورية لايزال يقاد من تركيا ومن جماعة الإخوان المسلمين وهو لا يقل سلبية عن وفد النظام، ولايزال الإصرار على إبعاد ممثلي شمال وشرق سوريا، الإدارة الذاتية الديمقراطية، وفي مقدمتهم ممثلي الشعب الكردي، يشكل أحد أهم عوامل فشل إنجاز الدستور الجديد، بل فشل إيجاد الحلول للأزمة السورية، وهذا معناه إطالة عمر الأزمة وبالتالي إطالة معاناة السوريين، كما أن النظام لازال مصراً على موقفه الشوفيني المتعنت تجاه إيجاد حل ديمقراطي للقضية القومية للشعب الكردي، وهو بالأساس عاجز عن إيجاد مثل هذا الحل بسبب تركيبته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولأنه لا يملك القرار السياسي الداخلي.

-5-

   إذا كان الأمر كذلك فإن على روج آفاي كردستان وشمال وشرق سوريا أن يستعد جيداً لمواجهة مهام المرحلة القادمة، وهي مهام موضوعية وذاتية متلازمة تعزز إحداها الأخرى، ومن هذه المهام:

– تعزيز البعد الدولي وإنجاز التحالفات الضرورية التي تلتقي مع توجهات الإدارة الذاتية الديمقراطية.

– وحدة الصف الكردي والموقف الكردي كطليعة لمواجهة كل التحديات والمستجدات، ووحدة كافة مكونات شمال وشرق سوريا وإفشال الفتن التي يفتعلها النظام السوري وتركيا وغيرهما، وهاتان الوحدتان مترابطتان لحماية المكاسب التي تحققت إلى الآن، بل مواجهة كل المخاطر، وتحسين العلاقات الكردستانية.

– العمل من أجل إنجاح حوار سوري – سوري، تلتقي فيه الإدارة الذاتية الديمقراطية مع المعارضة الوطنية الديمقراطية وكل الجهات التي تعمل لحل الأزمة السورية ووضع حد لمعاناة السوريين الذي تشرد القسم الأكبر منهم، ومن أجل بناء سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية.

– تعزيز القوى العسكرية وحماية الأمن والاستقرار الداخلي.

– تعزيز الاقتصاد وتطوير الإنتاج الزراعي وتحسين المستوى المعيشي للشعب، وتحسين الخدمات وضبط الأسعار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى