ارتفاع إيجارات المنازل.. استثمار يجلد المواطن ويحرم محدودي الدخل من السكن
مع تصاعد صرف الدولار مقابل الليرة السورية، وعدم استقراره تصاعدت أسعار إيجارات المنازل.. أزمة سكن خانقة يوعزها متابعون للشأن العام في مقاطعتي قامشلو والحسكة إلى الزيادة السكانية وجشع الملاك، حيث زادت شكاوى الأهالي بشكل كبير هذه الأيام من ارتفاع حاد للإيجارات وأسعار العقارات خلال الفترة الأخيرة.
وأكد متابعون للشأن الاقتصادي أن: “الأزمة تتفاقم يوماً بعد يوم، مع غياب الجهات المسؤولة عن حل مشكلة ارتفاع الإيجارات التي زادت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، ولم يظهر حل واحد للمشكلة التي بلغت أعداد المتضررين منها الآلاف من العوائل”.
وأوضحوا أن: “إيجارات المنازل السكنية تصل إلى 150 ألف ل.س شهرياً، في حين أن متوسط إيجار منزل صغير بلغ 50 ألف ل.س، وهو مبلغ خيالي أمام رواتب الموظفين والعاملين، الذي يذهب معظمه لأجور السكن”.
وأشاروا إلى أن: “الموظف البسيط الذي يعتمد على مصدر دخل واحد، لا يستطيع دفع إيجار منزل أو حتى شقة، إلا في حال كان لديه أكثر من وظيفة، كون الإيجارات مرتفعة جداً، وفي بعض الأحيان يذهب كل الراتب الشهري لغرض دفع الإيجار، ولهذا نجد أغلب الموظفين يعملون بعد انتهاء دوامهم الرسمي، كسائقي تاكسي أو في محال تجارية وغيرها من الأعمال الحرة”.
وأضافوا أن: “الجهات المعنية في جميع المناطق ليس لها أي تدخل بقضية الإيجارات وتحديد أسعارها، ولا تكلف نفسها بمتابعة هذا الملف المهم ومراقبة الأسواق وتخفيف أزماتنا المعيشية وسط غلاء يطاول السكن وجميع السلع والخدمات الضرورية” بحسب المتابعين.
تعد عملية النزوح جراء الاحتلال التركي ومرتزقتها لكل من سري كانيه وكَري سبي وتهديدها لكل مدن روج آفاي كردستان إلى قامشلو والحسكة أحد أبرز الأسباب المؤدية إلى ارتفاع أسعار الإيجارات الذي يقاس تبعاً للتحليل الاقتصادي بزيادة الطلب على المنازل مقابل انخفاض في معدل العرض، وبحسب إحصائيات فقد ارتفعت نسبة السكان في كل من مدينتي قامشلو والحسكة إلى 50% جراء موجة النزوح الهائلة.
وبحسب تقديرات فإن أكثر من 300 ألف شخص نزحوا من منازلهم إلى قامشلو والحسكة والمناطق المجاورة لهما؛ بسبب الاحتلال التركي ومرتزقتها.
يروي محمد معاناته مع الإيجارات بقوله: “أنا مستأجر في المدينة شقة بـ 60 ألف لكن مالك الشقة أمهلني لمدة شهرين إما أدفع 75 ألف أو أخرج من الشقة وأبحث عن شقة أخرى”.
يكمل محمد: “أفراد عائلتي مكونة من ثمانية؛ صحيح أن الشقة مكونة من ثلاث غرف واسعة إلا أنني لا أستطيع دفع هذا المبلغ فأنا وأخي نتقاضى رواتب ضئيلة لا تفي بمتطلبات المنزل إلى جانب هذا المبلغ الضخم للإيجار”. ثم يضيف محمد: “لم يعد لدي أي خيار آخر سوى البحث عن منزل آخر يأويني حتى لو كانت هذه الشقة مكونة من غرفتين فقط”.
م ع من مدينة سري كانيه، متزوج ولديه عائلة مكونة من ثلاثة أشخاص، يشرح معاناته بسبب ارتفاع الأسعار، إذ كان يرغب في السكن في المدينة بسبب توفر الخدمات، لكن ارتفاع إيجار الشقق إلى 50 ألف ليرة سورية وما فوق، حال دون ذلك ودفعه إلى اللجوء للسكن في ضواحي المدينة.
يقول عادل، أحد المستأجرين الذين يعانون من ارتفاع إيجارات المنازل: “أنا أسكن في منزل بـ 50 ألف وراتبي لا يتعدى 100 ألف ولا يوجد شخص آخر يعينني على الإيفاء بمتطلبات الأسرة، وإيجار المنزل باهظ”.
ويضيف: “لكننا لا نستطيع تجريم مالكي المنازل لأن هناك ظروفاً في البلاد، كما أنه لديه متطلبات واحتياجات في ظل تزايد أسعار المواد الغذائية، ربما يبالغ بالسعر ولكن لكل إنسان ظروفه”. ثم يضيف: “يجب أن نتعامل بإنسانية ومن يملك أي شيء يجب أن يتعاون مع أخيه بإنسانية”.
يعزو (ف. ن) صاحب مكتب عقارات ارتفاع إيجارات المنازل لارتفاع الطلب على المنازل قائلاً: “ارتفاع العقارات لعدة أسباب، أوله لتعويض رأس المال المدفوع في إنشاء وبناء المنازل بالإضافة إلى قلة وندرة العرض مقابل الطلب الكبير جداً، بالإضافة إلى وجود الطلبة الذين يستأجرون الشقق بأسعار عالية فليست لديهم مشكلة لأنهم يتقاسمون الإيجار وبنفس الوقت مهم جداً فيستأجرون بأي ثمن، ونتمنى من الجهات المختصة والمسؤولة بتحديد أسعار الإيجارات كحد أدنى وخصوصاً السكني وليس التجاري”.
ويقول آخر صاحب مكتب للعقارات أيضاً: “انتعشت تجارة العقارات خلال الفترة القليلة الماضية في مشهد لافت للنظر في عموم المناطق؛ حيث عادت تجارة العقارات والقطع السكنية والإيجارات التي تضاعفت بنحو الضعفين أو أكثر؛ وهذه العقارات من أراضي سكنية وزراعية ومنازل وعمارات ومحال ارتفع الطلب عليها حالياً مما شجع على التوسع في أعمال البناء لمنازل جيدة والتي أصبحت لا تجاري الطلب عليها في بعض الأحيان بسبب زيادة الطلب نتيجة تحسن الوضع الأمني؛ حيث أصبح قطاع العقارات يمثل حالياً فرصة استثمارية جيدة ورصيداً مالياً يرتفع مع مرور الأيام ووسيلة رابحة لا خسارة فيها بسبب ارتفاع أسعار العقارات والأراضي السكنية وليس العكس”. ويختتم حديثه قائلاً: “الحل هو أن تقوم كل جهة أو هيئة من هيئات الإدارة الذاتية بتوفير عقارات سكنية خاصة بموظفيها يتم التقسيط عليها لمدة 15 عاماً أو أكثر”.
المشكلة تفاقمت خلال الأشهر الماضية، وارتفعت أصوات الأهالي المطالبة بوضع حد، ما دفع الجهات المختصة في الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى التدخل عبر تشكيل لجان للنظر في ارتفاع الإيجارات، وتقسيم الإيجارات إلى شرائح لوضع آلية لتحديد الأسعار ومنع ارتفاعها ضمن سقف محدد، وأكدت أن اللجان باشرت عملها، وستضع سقفًا محددًا لن يتم تجاوزه عند توقيع العقود بين المستأجر وصاحب المنزل.
وطالب الأهالي – وبالأخص النازحين منهم – بتدخّل الجهات المعنية، وأن تُترجم القرارات على أرض الواقع بالسرعة الممكنة، وأن يتناسب سقف الإيجارات مع الحالة العامة للدخل، ففي ظل غياب أي رقابة من الجهات المعنية، يعتبر تحديد سقف الأسعار كيفيًا ويخضع لقرار أصحاب الشقق.