آراء

الكرد بين الهدنة السورية والتصعيد التركي

طريق الشعب - العدد (433)

   تورط تركيا في الأزمة السورية منذ بدايتها وإلى الآن، بشكل فج ووقح، له أسبابه العديدة رغم عدم مبرراتها دولياً، إذ أنها باتت جزءاً أساساً من المعضلة السورية المزمنة، ومن الأزمة المميتة حقاً ورغم أن النظام السوري لم يتدخل في الأزمة الداخلية المعقدة والمسؤول الأهم عنها مباشرة، كما النظام التركي تماماً، فإن تركيا باتت المتورطة الأساس والرئيس وربما الأصح صاحبة الفضل الكبير في عدم الوصول إلى حل سياسي يفضي إلى الاستقرار والأمان في الخارطة السورية.

   ثمة حقائق يجب أن تتوقف عندها أركان المجتمع الدولي، في أن تركيا قدمت مشروعها الإسلامي الأخواني علانية بمذهبية طاغية، واستقطبت أكبر قدر ممكن من اللاجئين وحولت أغلبهم إلى مرتزقة متدربين وجنوداً لديها تحت الطلب التركي، لتعميق الأزمة ليس في سوريا فحسب بل في أية جغرافيا أخرى، يراها تركيا أو رئيسها رجب طيب أردوغان أن لبلاده مكاسب وهمية أو حقيقية في التعارك معها أو التعارك عليها.

   مسميات كثيرة عسكرية خرجت من العباءة التركية الراديكالية ومن مخيماتها المختلفة، أولها الجيش السوري الحر إلى الجيش الوطني إلى فصائل من المرتزقة تمجد صدام والقعقاع والعرعور، ومجاميع إرهابية باتت تبحث عن الكرامة المفقودة، وهي أصلاً تحارب من أجل الغنائم، إذ هذه الفصائل عملت من الثورة ثروة رخيصة مرمية في الشوارع مما أدى إلى تهجير الملايين من السوريين من أطراف البلاد ووسطها، قسريين وطوعيين في الدول المجاورة والشتات الأوروبي، فضلاً عن المأساة التي حلت بأرواح ومصائر المهاجرين في الطرقات براً وجواً، حيث تحولت الأزمة السورية إلى مأساة إنسانية كبرى ما زالت تنتظر الحل السياسي دون لغة العسكرتاريا، وستترقب الأعين السورية على العودة إلى ملاذاتها الأصلية.

   لم يقدم النظام على مدى مرارة الأزمة أي مشروع يؤدي إلى التهدئة، رغم أن النظام قدم العديد من مشاريع الهدنة، سواء بينها وبين المجاميع الإرهابية التابعة لتركيا، وفي الوقت ذاته لم يقدم مشروعاَ شاملاً يخص الأمن ليتقاطع مع المشروع الكردي الذي ينمو رويداً رويداً، ويتكامل سياسياَ واقتصادياً وعسكرياً، إلا أن النظام ذاته لم يتحلَ بالقدر الكافي من المسؤولية الكافية التي تعيد جزءاً من البلاد على الأقل وفي مرحلة مؤقتة إلى سكة سلميتها، في ظل غياب التوافق الدولي حول الملف السوري المميت.

   على الجانب الآخر، ظلت روسيا تؤجج نار الفتنة، تارة بتحريض تركيا على المزيد من الاحتلالات وتارة بتحريض النظام السوري داخلياً لتقويض النفوذ الكردي في الشمال السوري أو بالأصح في روجآفا، وهذا لا يعيد لا للنظام هيبته ولا لتركيا قوتها، بل أضعفت تركيا سياسياً وعسكرياً كما أضعفت النظام سياسياً وعسكرياً، بينما ظل المشروع الكردي قائماً على أساس سلمي ودفاعي مع الاحتفاظ بخصوصية الخارطة السورية دون أجندات خارجية بل على أسس وطنية وشبه قومية كردية.

   رسم الكرد ملامح حلهم لعموم سوريا، وهذا ما لم يرتضيه النظام في دمشق رغم المحاولات المتكررة للوصول إلى توافق داخلي سوري بين الكرد والنظام، بل وأن تعنت النظام أدى إلى المزيد من التعقيد في المشهد وسط غياب الحل من جانب النظام الذي يجد نفسه طفلاً مدللاً لدى طهران وموسكو بينما تحمل مسؤولية البلاد وتخليصها من الأزمة باتت مسؤولية الشمال السوري فحسب، بحسب كل الوقائع المعلنة.

   بين الهدنة السورية من جانب النظام بهشاشة واضحة وبين التصعيد التركي المقلق أسس الكرد مشروعهم السياسي، بعد أن وجدت سوريا نفسها على حافة الهاوية ودون أن يكون للمجتمع الدولي رأيه وموقفه الواضح حيال الانتهاكات والجرائم التركية في الأراضي السورية، كما ولم تتحمل أمريكا ذاتها مسؤولياتها كدولة كبرى ولها حضورها في الساحة السورية بمسؤوليتها تجاه مأساة شعوب عانت بين الإرهاب الإقليمي والتدخل الدولي دون رادع قوي.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى