آراء

تغيير موازين القوى بعد قمتي طهران وجدة

العدد (444)

فتح الله حسيني

   ناقشت وسائل الإعلام العالمية والمحلية على مدى الأيام الماضية، القمة الثلاثية في طهران، بحضور الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان مع نظيريهما الإيراني إبراهيم رئيسي، وهو ما رآه البعض من تلك الوسائل على لسان مسؤول بلدانها أنها كانت رداً على قمة “جدة” في المملكة العربية السعودية، التي جمعت الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعدد من قادة الدول الخليجية والعربية، فيما رأى البعض أن قمة جدة كانت تحشيداً ضد إيران، بينما يرى آخرون أن قمة طهران كانت هادئة وكانت لصالح تخفيف وطأة الأزمة السورية التي كانت تركيا تريد إشعال فتيل جديد فيها وخاصة ضد الكرد.

   ركزت الصحف البريطانية بنسختيها الورقية والإلكترونية، على لقاء رؤساء روسيا وتركيا وإيران في طهران، واصفة القمة بأنها ستكون امتداداً لما كان بين الدول الثلاث الموصوفة بالدول الضامنة للأزمة السورية، بعد لقاءات متتالية في سوتشي وأستانا، مع تطعيم الوصف بأن القمة كانت رداً جيوسياسياً قوياً، على زيارة الرئيس الأمريكي لشركائه الأساسيين في الشرق الأوسط، في إشارة إلى إسرائيل والسعودية.

   الجولات الماكوكية في الشرق الأوسط وهو في أوج أزمته الخانقة، بعد انطلاق شرارة الربيع العربي، وتحول بعض تلك الفصول إلى فصول دموية قاسية، ليست جولات اعتيادية، إذاً ثمة تفاهمات جديدة يجب أن تظهر على السطح بعد عدم تخفيف التوتر في المنطقة برمتها، ونفور المصالح بعد تقاطعها بين عدة دول منها السعودية وتركيا وإيران، رغم أن الدولتين “إيران وتركيا” تجتمعان في الكثير من المحافل ولكنهما ما زالا خصمين لدودين أيضاً وينصف بينهما حرب إرادات لن تنتهي بسرعة.

   أشارت قمة جدة إلى ضرورة النظر بجدية إلى الوضع السوري، وإنهاء الأزمة سياسياً بين جميع الأطراف، وهذا ما انتهى إليه قمة طهران أيضاً بعدم زعزعة الاستقرار الموجود وإنهاء التهديد التركي، وأن أي هجوم تركي جديد ومحتمل سيؤدي ليس إلى عدم استقرار سوريا فحسب بل وإلى عدم استقرار تركيا أيضاً وهذه إشارة قوية وخطيرة من جانب طهران لأنقرة، خاصة بعد المواقف الدولية والعربية المتباينة حيال التهديد التركي وتحضيرها للهجوم الخامس في سوريا.

   إلى ذلك، أوردت صحيفة “الفاينانشال تايمز” البريطانية تقريراً تناولت فيه العلاقة بين تركيا والكرد، حيث يفصل التقرير كيفية تقديم تركيا المساعدات اللوجستية عبر شاحنات بأرتال طويلة لجنودها على الحدود أو تقديم الدعم اللوجستي من أجل اجتياز الحدود السورية – التركية لإثارة القلاقل على الضفة الأخرى من الحدود وذلك بالتزامن اليومي مع القصف المدفعي التركي على مناطق زركان وتل تمر وإم فور والشهباء، ليزداد أعباء بلد أنهكته الحرب في إشارة الى سوريا، إذ أن المشهد برمته هنا يعكس دور تركيا العميق والسلبي في رسم مستقبل الشمال السوري، بعدما نفذت توغلات عسكرية متتالية تحت مسميات مختلفة لدفع وحدات حماية الشعب الكردية بعيداً عن الحدود.

   تؤكد الصحيفة أن الوجود التركي في سوريا هو الأكبر في دولة “عربية”” منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية  في العام 1918، وقد يزداد هذا الوجود بحسب مواقف الدول الغربية وخاصة أمريكا وروسيا، كدول لها نفوذها في سوريا، إذ أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعدما شن هجمات كثيرة دون مواقف دولية، ها هو مع جيشه ومرتزقته يهددون بشن هجوم جديد لإحكام سيطرة بلاده على الشمال السوري، وتفكيك الخارطة المرسومة الجديدة في سوريا، بعد تقاسم المناطق بين قوات سوريا الديمقراطية ونظام دمشق وفصائل المعارضة العربية السورية.

   إذاً تركيا لن تكون آمنة، وهذا ما يشي به كل المؤشرات بعد ابتزاز الغرب من جانب تركيا وتدخلها في جميع الشؤون الدولية، وحسم جميع مصالحها بمقايضات علنية سواء في أروقة الناتو أو في أروقة الدبلوماسية والسياسة.

   بعد القمتين ستتغير الكثير من الموازين وأهمها في سوريا التي كانت ساحة لتصفية الحسابات بين كل الدول المجتمعة في جدة وطهران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى