آراء

دمشق في حضن أنقرة أم في حضن القاهرة؟

   في تصريح لقناة “الجزائر الدولية” شدد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أنه “إذا كانت مسألة وجود بلاده في الجامعة العربية تريح من بعض المشاكل، فلا مانع من أن نضحي لوقت قصير من أجل إعادة لم الشمل العربي”، وكأن مسألة إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية بعد قطيعة لأكثر من عقد قد تعيد التوازن إلى سوريا ككل، فيما الواقع يوضح أن الكثير من المسائل السياسية والعسكرية والاصطفافات الإقليمية والدولية تغيرت بعد بدء الأزمة وإلى الآن، حيث أن النظام وحده لا يستطيع تسيير شؤون البلاد برمتها، أي دولة مركزية مفرطة وهي التي كانت أصلاً سبب نشوب الأزمة وتعقيدها.

   كلام المقداد وغيره من المسؤولين في حكومة دمشق، وهمية أكثر مما هي واقعية إذ تنقسم سوريا إلى شبه دويلات، عدا ما هو قائم وموجود في دمشق، فلن تحل جميع المشاكل بعودة سوريا إلى الجامعة العربية والمشاكل الداخلية يجب أن تبدأ ملامح حلها في الداخل لا في الجزائر ولا في القاهرة كما فشلت في جنيف وأستانا وسوتشي ونور سلطان.

   عملياً يبحث نظام دمشق عن حل بين خيارين أساسيين كما يراها النظام نفسه، أما التقارب من الجامعة العربية والارتماء في حضن القاهرة، وهذا لا ضير فيها، ولكن سوريا غير مركزية، بل سوريا تعددية اتحادية، بحسب توزع المناطق والحكومات القائمة التي أصبحت أمر واقع وهذا ما يعرفه المجتمع الدولي، أو التقارب مع أنقرة، وهذا ما لا يرضي الطرف الأمريكي الموجود في شمال وشرق سوريا، والذي صرح بكل وضوح أنهم ليسوا مع التطبيع مع الأسد، ولكن أي تطبيع يريده الأسد ومنظومته بعد سنوات الخراب والدمار والحروب الطائفية.

   من جانب آخر، فإن الاتفاقات التي حصلت بين تركيا وروسيا وإيران وتقارب المصالح التركية الروسية أثر على السياسة بين تركيا والغرب، وبين تركيا والدول العربية أيضاً، باعتبار أن الدول العربية كانت الداعمة للسياسة التركية في المنطقة، لكن عندما وجدت أن لتركيا أطماعاً في الاحتلال فإن الدول العربية بدأت بقطع الإمداد عن النظام التركي، وربما الهدف من حصول انفتاح بين دمشق والدول العربية والزيارات الأخيرة إلى دمشق بهذا الخصوص، يتمثل في نقطتين: أولاً: إبعاد سوريا عن أي اتفاق مع الجانب التركي أو التقارب معه، ثانياً: الضغط على دمشق لتخفيف الوجود الإيراني في سوريا.

   إلى ذلك كشفت صحيفة “العرب” عن استضافة موسكو جولة جديدة من المحادثات بين مسؤولين أميين سوريين وأتراك بحضور إيران، وفق ما أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في خطوة تأتي ضمن إطار المساعي الروسية لإصلاح العلاقات بين دمشق وأنقرة.

   يأتي هذا في وقت، تم الإعلان عن تأجيل ذات الاجتماع وفشله سياسياً بين رؤساء الدبلوماسيات للدول الأربع، إذ أن دمشق وأنقرة تميلان إلى تقارب متأن بانتظار إذابة الخلافات حول الكثير من التفاصيل الميدانية التي تعوق اللقاءات المباشرة وعلى رأسها الوجود العسكري التركي في شمال سوريا وانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة.

   بطبيعة الحال، فإن عقد اجتماع رباعي في العاصمة الروسية بحضور وزراء دفاع ورؤساء استخبارات كل من تركيا وروسيا وسوريا وإيران، لن يضفي على حل الأزمة أي نتائج ملموسة عدا عن تعقيدها بعد اقصاء الطرف الأمريكي المتواجد وبقوة في روجآفا، وربما التخطيط لإنهاء المشروع السياسي القائم في شمال وشرق سوريا والذي تركز عليه أنقرة وحدها.

   دمشق، تميل إلى التحفظ تجاه الرئيس التركي، والاجتماع الذي رتب له، يعقد على وقع تغييرات دبلوماسية في خارطة المنطقة مع استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية وانفتاح عربي متسارع تجاه دمشق، والتعويل على مثل هكذا اجتماعات لن يحل الأزمة السورية، ولن يجد لها مخرجاً على أرض الواقع بإبعاد أطراف مهمة ورئيسة في المعادلة السورية، ومن ثم اقصاء جغرافيا كاملة من وضع الحلول للأزمة التي تتطلب مسحاً شاملاً لحيثيات الأزمة من ثم البدء برسم ملامح حلها.

   سوريا حيال ثلاثة خيارات: أولاً: الارتماء في حضن القاهرة الذي يمثل قلب الجامعة العربية، ثانياً: التصالح مع أنقرة، ثالثاُ: الالتفات إلى شمال وشرق سوريا وعقد اتفاقيات داخلية وهي الأهم.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى