آراء

سوريا الممزقة، سياسياً وإنسانياً

   فيما حذرت الأمم المتحدة من تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا بعد معارك طاحنة ودموية، وبدء تحولها فعلياً إلى كارثة شاملة، ما زالت ملامح الحلول السياسية غائبة عن هذه الأزمة الطويلة والمميتة والمقيتة، ومع ذلك خيوط المؤامرات الإقليمية وشبه الدولية ما زالت تحاك حول أمن واستقرار عموم خارطة البلاد، إذ تبحث موسكو عن منفذ حسب أهوائها لتسوية الأوضاع بين دمشق وأنقرة، وهذه المرة بمشاركة إيران كشريك أساس في اجتماعات أستانا، وكدولة ضامنة ضمن الأزمة السورية، وربما التوسط الروسي بات أكثر إصراراً في عقد لقاء بين الأسد وأردوغان، وهذا ما أكده القنصل الروسي في استانبول “أندريه بورافوف”، بأن إمكانية عقد لقاء بين رئيسي نظامي دمشق وأنقرة سيساعد في دفع عملية التطبيع بينهما بسرعة، متناسياً أن الأزمة السورية تتطلب تسوية أممية وتوافق دولي، وليس فقط لقاء “قمة” يجمع بين حكومتي أنقرة ودمشق فحسب.

   رغم أن أردوغان قد صرح في وقت سابق بأنه اقترح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد اجتماع لقادة تركيا وروسيا وسوريا، لكنه نوه بأنه يجب أن يسبق اجتماع القادة اجتماع يجمع رؤساء أجهزة المخابرات ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية للبلدان الثلاثة، إلا أن كل ذلك لا يعني بأن المحاولات رغم تسارعها فأنها محاولات بائسة في ظل وضع سياسي وعسكري وإنساني معقد، إذاً إن النظام السوري يتحدث عن قراري مجلس الأمن 2253 الخاص بمكافحة الإرهاب، و2672 الذي ينص على دعم مشاريع التعافي المبكر، بينما المجتمع الدولي يتحدث عن القرار 2254 الخاص بعملية نقل السلطة في دمشق.

   رغم التصريحات الأممية حول أهمية وضع خارطة طريق للوصول إلى حل سياسي إلا أن هذه التصريحات غير جدية وغير جديدة أيضاً في ظل ضغوطات إقليمية على نظام دمشق والضغط الروسي الخاص على بشار الأسد، والابتعاد عن مبدأ التوافق الداخلي السوري، الذي تنشده الإدارة الذاتية الكردية بقوة، وتتقرب منه دمشق ببطء، وهذا ما يمهد لتدخلات إقليمية بشكل سافر دون أن يكون هنالك أي منفذ مضيء لبدء حوار سوري جاد وشامل بين شمال وشرق سوريا وبين دمشق، مع تصاعد وتيرة التهديدات التركية على البنية التحتية السورية في شرق الفرات، والذي يفاقم الأزمة في مناطق سيطرة النظام أيضاً.

   سوريا دولة ممزقة، هذا ما أعلنه مؤخراً المبعوث الخاص لسوريا، غير بيدرسون مؤكداً أن الانقسام الموجود في سوريا وفي المنطقة وعلى المستوى الدولي وغياب الثقة والإرادة يحولان دون القيام بما يتعين علينا القيام به في سبيل معالجة هذا الصراع بطريقة شاملة.

   الكرة تظل في ملعب حكومة دمشق، في تفهم الوضع في شرق الفرات، والزيارة الأخيرة من جانب وفد الإدارة الذاتية إلى دمشق كانت مضيعة للوقت رغم أن الوقت يقتل السوري ويجوعه ويشرده يوماً إثر يوم.

   في الجانب الآخر، المعتم، أيضاً، يبحث المجتمع الدولي بلا إرادة واضحة، عن حلول مستعصية بعد وقوع المشكلة أو الكارثة، فيما لو بادرت الهيئات الدولية إلى منع وقوع المشكلة والكوارث لكانت الأعباء أخف وأقل ضرراً، وربما إنسانية أكثر، كالحالة السورية التي تتفاقم يوماً إثر يوم دون مبادرة دولية للحل، أو حتى دون ردع الانتهاكات التي تلاحق السوري في خارطته سواء من الداخل أو من الخارج.

   نحن حيال حلول مؤقتة، لن تبعد شبح الكوارث والمآسي عن البلد، بقدر ما يتم تعقيد الأزمة، في وقت باتت الزلازل تضيف شبحاً آخر من الخوف في بلاد ممزقة كسوريا.

فتح لله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى