آراء

اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده أهداف ومواقيت

طريق الشعب - العدد (429)

   في نهاية حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ازدحمت وسائل الإعلام العالمية بأخبار كثيرة حول نيته القيام بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران قبل مغادرته البيت الأبيض، ومن أجل ذلك قام بتحريك حاملات طائرات إلى المنطقة وتحريك طائرات بـ 52 العملاقة القاذفة للصواريخ إلى مواقع جديدة، ورافق ذلك أيضاً قيام إسرائيل بتوجيه ضربات عديدة ضد أهداف عسكرية إيرانية في سوريا.

   ومثل هذا السلوك يعتبر خرقاً للقاعدة الأمريكية الراسخة، وهو أن الرئيس المنصرف لا يقدم على اتخاذ قرارات استراتيجية وهامة في نهاية ولايته ليترك للرئيس القادم حرية تحديد أولوياته واتخاذ القرارات بشأنها.

   انجلى غبار تلك المعمعة الإعلامية باغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده الذي يوصف بأنه أبو القنبلة النووية الإيرانية، وتحديداً أبو القنبلة النووية للحرس الثوري وتطوير برنامج الصواريخ البالستية، أي أن الرجل كان أغلى ما تمتلكه إيران والحرس الثوري، وبالتأكيد فإن اغتياله بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل أهم من توجيه ضربة عسكرية إلى هدف أو أهداف إيرانية معينة.

   في السنوات السابقة تم اغتيال عدد من علماء إيران النوويين، وكانت إيران تعلق في كل مرة أن إسرائيل هي التي تقف وراء هذا الاغتيال، أي أن اغتيال محسن زاده ليس الاغتيال الأول، ولكن أهداف هذا الاغتيال تذهب إلى أكثر من اغتيال عالم نووي إيراني، وخاصة في اختيار توقيت هذا الاغتيال.

   من المعروف أن الرئيس المنتخب للولايات المتحدة جو بايدن كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما عند التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران بمعنى أنه كان شريكاً في هذا الاتفاق، ومن المعروف أيضاً أن الرئيس ترامب هو الذي اتخذ قرار انسحاب الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق، وبانصراف ترامب وقدوم بايدن فقد تشكل انطباع لدى البعض بأن تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق المذكور، وبأن إفشال ذلك التوجه مطلوباً بقوة من قبل إسرائيل وإدارة ترامب، فجاء اغتيال محسن زاده لخلق صعوبات لبايدن في العودة إلى الاتفاق النووي وذلك بتشكيل أجواء جديدة ستنعكس سلباً على أية محاولة أو مفاوضات بهذا الشأن، ومن شأن ذلك أيضاً خلق صعوبات في ترميم العلاقات الأمريكية والأوروبية التي تضررت بخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.

   بكل المقاييس، وأياً كانت الجهة التي تقف وراء اغتيال زاده، فقد تم تحديد الأهداف بدقة وحرفية عالية بحيث تنعكس فوائد كثيرة على نتائجه، إذ من جهة تم التخلص من عالم نووي بارز وخطير ليس فقط من ناحية إمكانياته العلمية، وإنما بسبب موقعه القيادي البارز في الحرس الثوري أيضاً حيث ذهب البعض إلى اعتبار أن اغتيال زاده كان أخطر من اغتيال قاسم سليماني، إضافة إلى أنه بهذا الاغتيال تم توجيه ضربة كبيرة إلى المشروع النووي الإيراني، وأما الفوائد الأخرى فتكمن في النتائج السياسية التي ستترتب على هذا الاغتيال، ومن أهمها خلط الأوراق وتشكيل عقبات إضافية أمام إيجاد حلول للملف النووي الإيراني الذي أصبح مشكلة دولية، وإحدى المخاطر التي تهدد السلم والاستقرار الدوليين، وتشترك فيها جهات إقليمية ودولية كثيرة، وبخاصة خلط الأوراق وتشكيل وضع جديد أمام إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الذي يعتبر الملف النووي الإيراني أهم المسائل التي تنتظره بعيد دخوله البيت الأبيض.

   نعم كان الرئيس جو بايدن شريكاً في الاتفاق النووي الإيراني باعتباره كان نائباً للرئيس باراك أوباما، ولكن منذ ذلك الوقت وإلى الآن فقد حدثت تغييرات كبيرة في العالم كله، إذ أصبحت إيران تحتل عملياً أربعة دول عربية، ولازالت تتمدد، وأصبحت أذرعها تهدد مناطق أخرى بما في ذلك مصالح الولايات المتحدة وأوروبا في آسيا وأفريقيا وحتى في أمريكا اللاتينية، وطورت برنامجاً للصواريخ البالستية إلى درجة حدوث تغييرات في مواقف الدول الأوروبية التي كانت تساند استمرار الاتفاقية خلافاً لمواقف إدارة ترامب، وكل هذه التغييرات تشكل تطورات جديدة بالنسبة لموقف جو بايدن.

   لكل تلك الأسباب، وانسجاماً مع الأوضاع الجديدة فإنه لا يمكن لجو بايدن أن يعيد الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وكأن شيئاً لم يكن، خاصة وأن إيران تتجه بخطى حثيثة نحو امتلاك القنبلة النووية، وربما تكون عملية الاغتيال هذه قد جاءت لدفع إيران نحو خطوات انتقامية ضد إسرائيل والولايات المتحدة أو دول عربية خليجية تجعل العودة إلى الاتفاق النووي أمراً مستبعداً أو غير ممكن.

   ولهذا فإنه من المعتقد أن يقوم الرئيس جو بايدن قبل كل شيء بتكوين موقف أمريكي – أوروبي مشترك إزاء الاتفاق النووي الإيراني وهو أمر ممكن في الظروف الحالية، وربما يحاول ضم روسيا وبعض الدول العربية إلى هذا الموقف قبل الإقدام على رفع العقوبات عن إيران لضمان ثلاثة أمور أساسية هي:

1- التأكد من عدم امتلاك إيران للسلاح النووي.

2- إيقاف برنامج إيران لتطوير برنامج الصواريخ البالستية.

3- توقف إيران عن التمدد خارج حدودها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى