آراء

الحرب قائمة.. السلام غائب في سوريا

   تصريحات المسؤولين الحكوميين السوريين، حيال مجمل القضايا في المنطقة تثير الاستغراب فعلاً، إذ أن سوريا مازالت تنظر إلى نفسها كدولة متكاملة، وتستطيع قلب الموازين الإقليمية كما كانت، ولكنها الآن تعيش واقعاً اقتصادياً منهاراً، وجغرافيا ممزقة، والمئات من الفصائل المدعومة إقليمياً تسيطر على جغرافيات كاملة.

   المسؤولون في حكومة دمشق، يدخلون في معارك وهمية مع الدول الغربية، والقوى العظمي دون التفاتة إلى الواقع السوري المعاش، واقع تسيطر عليه المال السياسي والعسكري، وظهور عصابات قسمت كل مدينة على نفسها مع الغنائم، فلماذا هم مغرورون إلى هذا الحد؟، في أن يتدخلوا في شأن الدول الأخرى بينما بلادهم تتفتت من الداخل، فلم تعد هنالك سياسات استراتيجية في سوريا كما كانت في عهد حافظ الأسد، ولم تعد هنالك علاقات سياسية واستراتيجية مع دول الجوار ومع القوى العظمى أيضاً، حتى باتت سوريا ككل متأرجحة بين مصالح إقليمية ودولية، وما زال بعض مسؤولو دمشق يفكرون بعقلية ما قبل العام 2011، حيث أن الأزمة كسرت معايير كثيرة، وقللت من الأهمية الاستراتيجية لسوريا، كقوة عربية قوية وفاعلة كان لها الدور الريادي في قيادة دول المحور العربي أمداً طولاً.

   مؤخراً، أدلى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بتصريحات صحفية معبراً عن رأيه ورأي بلاده في ما يجري في المنطقة، واصفاً كل ما يحدث بأنه “كذب غربي يراد به إشباع شهية الغرب المفتوحة لقتل العرب”، بينما لم يقل لنا “رئيس الدبلوماسية السورية”، لماذا لا يلتفت نظامه إلى الكذب الطائفي الطاغي في البلاد، أم أنه ما زال متدرباً على نغمة الازدواجية في المعايير، وأن شعاراته لم تعد لها معنى وسط هتافات الصمود وقلاع التحدي والتصدي التي نادت بها سوريا على مدى عقود طويلة.

   حدثت مجازر كثيرة ومتفرقة في عموم المناطق السورية سواء على يد النظام أو على يد المعارضة العربية الإسلامية، ولم تك هناك مبادرة واحدة من قبل حكومة “المقداد” في التقرب من المصالحات الداخلية التي كانت ومازالت سوريا بحاجة إليها كضرورة قصوى، بعد فشل المصالحات الخارجية التي استندت إلى مصالح سلبية.

   وحدها، مصلحة الشعب السوري وقواه الديمقراطية تكمن في قلب موازين القوى في الداخل، والبدء معاً من أجل رسم مستقبل أفضل لجميع السوريين وهذ يلزمه موقف حازم من جانب النظام للتصالح مع الإدارة الذاتية الكردية التي باتت مشروعاً كبيراً وجامعاً التف حوله قوى شعبية وسياسية وعسكرية في مواجهة كل التحديات الاقتصادية في الداخل والعدوات الإقليمية المفروضة من الخارج.

   الحرب في سوريا، مازالت قائمة وبقوة، دون أن تكون للدول الكبرى أية مبادرات للتوصل إلى خارطة لوقف الحروب، أو على الأقل منح هدنة طويلة، وجميع الهدنات لم تؤد إلى وقف الدمار، على العكس فإن إطالة الحرب مازالت راجحة كفتها، نظراً لعدم التوافق الداخلي والتعويل على التوافقات الخارجية.

   يقول أحد أهالي مدينة “درعا”: نستيقظ كل صباح نشعر بالامتنان لأننا تمكنا من البقاء على قيد الحياة ليوم آخر. ويقول أحد أبناء مدينة ” السويداء”: عشنا لأكثر من 13 عاماً منذ بدء الأزمة المميتة محاطين كلنا بالموت والدمار واليأس. ويقول أحد أبناء “قامشلو”: لا يمكن وصف واقع القصف التركي المستمر، والضربات الجوية من المسيرات أنه خوف ورعب وموت يومي. بينما يقول أحد أبناء العاصمة “دمشق”: فقدنا كل شيء في هذه الحرب، ولم يعد لنا أي شيء، لا مأوى، لا منفذ للهرب، لا خبز للعيش اليومي.

   بين كل هذا وذاك، فإن كل الأزمات مستمرة لفرض واقع الهيمنة سواء الإقليمية أو الدولية، ولكن أية هيمنة إذا كانت الشعوب، وخاصة في سوريا، تسقط كأوراق الشجر في فصل الخريف، ورقة تلو الورقة دون إنقاذ دولي، ليكون بذلك، مصير الشعوب التي كافحت وتشردت داخل وخارج بلادها، الموت الحتمي.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى