افتتاحيات الجريدة

روج آفاي كردستان – شمال وشرق سوريا والتهديدات التركية

العدد (437)

-1-

   يتميز الوضع الدولي بشكل عام بالاضطراب وبالكثير من التناقضات والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فإن زيادة التوتر في العلاقات الدولية والتصعيد المستمر في المواقف يشكل سمة هذه المرحلة من تاريخ البشرية، وعليه فإن الأمن والاستقرار الدوليين يواجهان الكثير من المخاطر.

   وحالياً فإن الشرق الأوسط يشكل بؤرة التوتر الرئيسية، ومشاكله والتهديدات التي تجابهه هي صورة مصغرة للوضع الدولي العام، فأثيوبيا دولة قديمة وكبيرة من دول المنطقة وهي تشهد الآن حرباً داخلية خطيرة تهدد بتمزيقها، وسيشكل ذلك خطراً كبيراً ليس فقط على دول الجوار والقرن الأفريقي، بل على كامل أفريقيا والشرق الأوسط، وكذلك الوضع السائد اليوم في السودان، والوضع الراهن في لبنان الذي يسير باتجاه فشل الدولة، فقدان الدولة اللبنانية من حيث سيطرة حزب الله عليها بدعم مباشر من إيران، وانهيار اقتصادها وعملتها الوطنية واقتراب الشعب اللبناني من الجوع، وانهيار الخدمات العامة الأساسية، وما يترتب على كل ذلك من مخاطر حرب داخلية، وتدخلات خارجية تمتد إلى كامل المنطقة، والوضع الحالي في العراق على كف عفريت، إذ من الواضح أن القوى التي خسرت الانتخابات وخسرت السلطة وهي قوى موالية لإيران لن تعترف بنتيجتها الأمر الذي يعرّض العراق إلى مزيد من عدم الاستقرار بل إلى مخاطر حرب داخلية ستعمّ جميع المنطقة، يضاف إلى كل ذلك استمرار الأزمة السورية والحرب الدائرة فيها وكافة التدخلات الدولية والإقليمية التي تمنع الوصول إلى حل لهذه الأزمة التي تقترب من دخول عامها الثاني عشر، وكذلك الحرب الدائرة في اليمن وآثارها على المنطقة عامة وعلى دول الخليج خاصة وكذلك الوضع المتشكل في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي منها.

   إن كل مشكلة من المشاكل الموجودة ليست قائمة لوحدها وبذاتها، وإنما تقوم على شبكة واسعة ومترابطة من الأسباب والعلاقات يتداخل فيها المحلي والإقليمي والدولي بشكل صريح وهذا ما يزيد في تعقيدها ومخاطرها إلى باقي دول وشعوب المنطقة والعالم.

   وأكثر المشاريع الحالية خطورة ليس فقط على سوريا وروج آفاي كردستان – شمال وشرق سوريا وإنما على كامل المنطقة المحيطة بما في ذلك جنوب كردستان هما المشروع الإيراني والمشروع التركي بالنظر إلى أن كلا المشروعين سياسيان ويهدفان إلى التوسع وإن ارتديا الطابع الإسلامي الشيعي بالنسبة للمشروع الإيراني والسني بالنسبة للمشروع التركي.

-2-

   في هذه الظروف المتداخلة والمتشعبة والخطيرة تأتي التهديدات التركية بالقيام بهجوم على روج آفاي كردستان – شمال وشرق سوريا، وهي تهديدات خطيرة، ويجب أن تقابل بالجدية اللازمة والاستعداد الكامل عسكرياً وسياسياً، إذ سبق لها احتلال عفرين وسريكانيه وكَري سبي وقبل ذلك احتلال جرابلس والباب وإعزاز، ونعرف جميعاً السياسة التركية ومواقفها الحقيقية القديمة والجديدة في احتلال كامل الشمال السوري والعديد من مناطق باشور كردستان، ونعرف سياستها التوسعية بناءً على ميثاقها الملي، وإعادة أمجاد السلطنة العثمانية بإعادة احتلال كافة المناطق التي كانت ذات يوم تحت احتلالها.

   إن تركيا ليست دولة كلية القدرة، وهناك في سوريا والمنطقة قوى أخرى أكبر منها لها رأيها أيضاً في ما يجري على الأرض السورية وموقفها من التدخلات الخارجية ونقصد بالتحديد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وكذلك الوجود الروسي وحتى الوجود الإيراني.

   لقد احتلت تركيا عفرين بناءً على موافقة روسية، واحتلت أيضاً سريكانيه وكَري سبي بناءً على موافقة ترامب، ويعرف الجميع جيداً بأنه إذا لم تكن كل من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي موافقتين على الهجوم التركي فلن تتمكن تركيا من القيام بالهجوم، والمعلومات الأكيدة تدل على أنه لا توجد مثل هذه الموافقة، فأثناء اجتماع بايدن – أردوغان لم يمنح بايدن الضوء الأخضر لأردوغان لهذا الهجوم بالرغم من طلب أردوغان مثل هذه الموافقة، بل أن بايدن حذره من ذلك، وصدرت تصريحات أخرى مماثلة من مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأمريكية، كما أن المعلومات المؤكدة تفيد بأنه وأثناء اجتماع بوتين – أردوغان لم يمنح له بوتين الضوء الأخضر، وتعلن روسيا عدم موافقتها على مثل هذا الهجوم صراحة، ومثل هذا الشيء يمكن أن يقال عن الموقف العربي العام الذي يرفض أي تدخل أو هجوم تركي على الأراضي السورية، ويمكن أن يقال نفس الشيء عن الموقف الأوروبي والعديد من الدول الأخرى، إذن هناك رفض دولي وعربي لأي هجوم تركي بهدف احتلال أية مناطق في شمال وشرق سوريا، وإضافة إلى كل ذلك فإن الوضع الداخلي في تركيا يزداد سوءاً، فقد فشلت سياسة أردوغان في شرق المتوسط واتحدت كل أوروبا ضدها، وفشلت سياسة أردوغان في ليبيا ويتم الآن التحضير لإخراج القوات العسكرية الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وفي مقدمتها القوات التركية ومرتزقتها وتعاني تركيا من عزلة دولية متزايدة إضافة إلى تدهور اقتصادها وتدهور الليرة التركية إلى مستويات قياسية وكذلك تراجع شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية وازدياد قوة المعارضة.

   في ظل هذه الظروف، الرفض الدولي للهجوم التركي على شمال وشرق سوريا والوضع الداخلي السيئ والذي يزداد سوءاً باستمرار هل ستتمكن تركيا من القيام بتنفيذ تهديداتها؟ المنطق يقول إن تركيا لن تستطيع السباحة ضد التيار، ولا تملك القوة التي تؤهلها لكسر الإرادة الدولية، وأن تهديداتها ستكون لتحقيق أهداف محددة من أهمها محاولة ضرب الأمن والاستقرار في المنطقة والحيلولة دون تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ليس أكثر، ولن يكون هناك هجوم حقيقي.

-3-

   إذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن الاطمئنان على الوضع الدولي لوحده أو على الوضع الداخلي لوحده، أو على العاملين الداخلي والخارجي؟ في مثل هذه المواقف يجب استيعاب التجارب العديدة لشعبنا وللعديد من الشعوب الأخرى، إن التجربة تفيد بأنه إذا كان وضعنا هشاً فيمكن لتركيا الهجوم بالرغم من العاملين الداخلي والخارجي، في مثل هذه الظروف تقفز إرادة الشعوب المستهدفة إلى الأمام وتقرر المصير، والحقيقة الماثلة للعيان في كل تلك التجارب تؤكد وجوب الاعتماد على الذات أولاً وقبل أي شيء آخر، إذا كان الوضع الدولي لصالحنا واعتمدنا عليه لوحده وارتكب أردوغان حماقة وهاجمنا دون أن نكون مستعدين لذلك فماذا ستكون قيمة العامل الدولي؟ علينا أن نستوعب تجربة أفغانستان بكل جوانبها، ويجب تطبيق مبدأ الاعتماد على الذات ليس فقط في مواجهة التهديد التركي، وإنما في جميع المهام والأعمال التي تواجه الإدارة الذاتية الديمقراطية، ويتضمن ذلك استعداد القوى العسكرية للمقاومة واستعداد كافة مؤسسات الإدارة الذاتية لأداء المهمات المناط بها في كل الأوقات، والتعبئة السياسية للجماهير الشعبية وممارسة سياسة دبلوماسية نشيطة والجدية في وحدة الصف الكردي ووحدة صف شعوب شمال وشرق سوريا وتعميق التجربة الديمقراطية للإدارة الذاتية.

   وسيكون مفيداً في هذه المرحلة وضع سياسة طوارئ تراقب حركة المواد ومنع الاحتكار وضبط الأسعار وتوفير وتحسين الخدمات الرئيسية وتحسين التعليم والصحة ومواجهة أي إخلال في أعمال مؤسسات الإدارة الذاتية ومواجهة الطابور الخامس وخلق الاستعداد المادي والمعنوي للمقاومة والانتصار.

-4-

   العامل الداخلي هو أساس النجاح والعامل الخارجي هو شرط النجاح، وتكامل العاملين هو الانتصار، ولهذا فإن أمام الإدارة الذاتية فرصة ثمينة في تعزيز العاملين الداخلي والخارجي من خلال الاستعداد في الداخل وتعزيز عوامل النجاح على جميع الأصعدة، ومن خلال تعزيز العمل الدبلوماسي وتنشيطه وكسب الأصدقاء في الساحة الدولية خاصة في ظروف إخفاق سياسات تركيا أردوغان في الداخل والخارج، وكذلك الضغوطات التي تمارس على سياسة إيران الخارجية وملفها النووي.

    إن إضعاف المشروعين الإيراني والتركي اللذين يهدفان إلى التوسع والتمدد يجري اليوم مقاومتهما على الصعيدين الدولي والإقليمي، وهذه فرصة يجب الاستفادة منها بالاستعداد الدائم وبناء أسس النصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى