آراء

روجآفا.. خيارات التهدئة أم التصعيد؟ – فتح الله حسيني

العدد (437)

   بعد تأكيد الجنرال مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية لوسائل إعلام أمريكية أن إدارة بلادهم “أمريكا” قد منحت تطمينات واضحة وأكيدة لهم أن تركيا لن تشن هجوماً جديداً على مناطق الإدارة الذاتية، بدأت تركيا مجدداً هذه المرة بشن هجمات مختلفة وبطرق واستهدافات مختلفة أكثر همجية، وذلك باستهداف قيادات الإدارة الذاتية السياسية عبر الطائرات المسيرة سواء في قامشلو أو في كوباني أو في طريق M4 وهذا ربما اتباع لنهج جديد لما سميت بعملية “نبع السلام” التركية، التي هجرت عشرات الآلاف من المواطنين ودمرت البنى التحتية لمنطقتي سريكانيه وكري سبي لتصبح روجآفا بعد كل ذلك الحقد والعداء التركي نبعاً للشهداء.

   بحسب المعطيات على الأرض، وما يتم تداوله في أروقة الدبلوماسية في روجآفا، فإن موضوع الهجوم التركي لم يكن الرئيسي في النقاشات الثنائية الأمريكية والتركية في روما، وهناك مواضيع محورية لأمريكا وبايدن لمناقشتها مع تركيا إلا أن أردوغان أصر على إدخالها في محور نقاشه، وما تم تأكيده أيضاً فإن أمريكا ليست راضية عن أي هجوم قد يحدث، وأعلنت بكل وضوح أن بقائهم في شمال وشرق سوريا يكمن في مصالح خاصة لهم، ولن يقبلوا بأي هجوم تركي جديد محتمل على تلك المنطقة الواسعة التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية حلفاء واشنطن.

   الحل التركي يكمن فقط في الهجوم العسكري، أي هجوم كان، براً أو جواً، وهنا يتوجب على روسيا أن تؤدي دوراً أكثر أهمية وفاعلية، نحو الإيجابية السياسية طبعاً مثل فتح آفاق الحل السياسي أو على الأقل التمهيد له وتمتين أواصر التكاتف السوري، بعد حرب طائفية مذهبية طاحنة فمن المخجل أن تتجه القوى العظمى الموجودة في الساحة السورية إلى الخيار العسكري بدلاً عن إيجاد حل ديمقراطي وسياسي، بعد أن توسعت آفاق الدمار على حساب انحسار فرص السلام المنشود داخلياً وخارجياً لأن ممارسات تركيا وانتهاكات فصائل سورية تعمل كمرتزقة لديها دون موقف دولي، يمنحها الغرور العسكري لاستهداف متكرر لعدة مناطق: مثل تل تمر وزركان وتل رفعت وعين عيسى، وإطلاق تهديداتها المتكررة بشن هجمات جديدة، ما هي إلا استهداف للأمن والاستقرار الموجود نسبياً في المنطقة المستهدفة، ونسف أي محاولة ومبادرة لإنهاء الأزمة السورية ومعاناة الشعب السوري.

   وأما الحل الذي تقدمه الإدارة الذاتية الكردية، فهي ترى دائماً أن حل الأزمة يكمن في الحوار السوري – السوري، الذي سيحقق جميع طموحات وأماني السوريين وهو هدف أساس ورؤية حقيقية صائبة تراها الإدارة الذاتية لإنهاء الأزمة، ومن ثم ليكون مشروع الإدارة مشروعاً سورياً صرفاً، سياسياً وعسكرياً، دون تدخل إقليمي أو دولي، لإنهاء ما تعيشه سوريا عامة من حالة حرب وأزمة حقيقية.

   بحث إمكانية الحوار مع دمشق، قائم دائماً لدى الكرد وهذا ما تم تثبيته في حوارات مسؤولي الإدارة الذاتية مع مسؤولي موسكو، لأن قادة الإدارة يجدون في العلاقة مع موسكو، مخرجاً ممكناً من الضغوط التركية، وعامل أمان من التحولات المفاجئة في السياسات الأمريكية، رغم ضمانات إدارة الرئيس جو بايدن.

   طالبت القيادات الكردية بشرطين أساسيين متمثلين بالاعتراف بالإدارة الذاتية، وخصوصية قوات سوريا الديمقراطية العسكرية، وربما هذا ما تسبب في توسيع الخلاف مع نظام دمشق وعدم قبوله بالحوار السياسي المأمول ، بينما يصر نظام الأسد على توسيع الإدارات المحلية دون الاعتراف بخصوصية الإدارة سياسياً وعسكرياً، رغم أن الجيش النظامي السوري لم يعد بمستطاعه حماية مناطق إضافية بعد أكثر من عقد من المعارك الدموية، ولم يعد الوقت مبكراً لبدء حوار ثنائي بين قسد والإدارة الذاتية بموافقة أمريكية ورعاية روسية، وبالتالي للوصول إلى توافق دولي، لإنهاء الصراع وإنهاء الهجمات البرية والجوية التركية المحتملة والأكيدة في أي وقت.

   بعد التهديدات الأخيرة، شنت تركيا خمسة هجمات جوية عبر الطائرات المسيرة، ويبدو أن  هذا هو التوافق المبدئي بين تركيا وأمريكا وروسيا أيضاً لنفث نيران الحقد التركي حيال قادة الإدارة الذاتية بدلاً عن التوغل البري غير المجدي بعد كل النزوح والتهجير الذي كان سببه الأوحد تركيا وجيشها ومرتزقتها.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى