آراء

تركيا ومحاولة وأد أحلام كرد سوريا

العدد (430)

   لم تترك الدولة التركية طريقة واحدة سياسية وعسكرية ودبلوماسية إلا واستخدمتها ضد مشاريع كرد سوريا، بدءاً من محاولة احتلال كامل الشريط الحدودي في أوائل العام 2012 بإدخال “جبهة النصرة” إلى سري كانيه ومن ثم فشل تلك الجبهة الإرهابية في احتلال شبر واحد من أرض روجآفا، لتكرار التجربة الفلسطينية في أن يكون كرد سوريا مثل فلسطينيي العام 48 في الحلم بحق العودة.

   راهنت تركيا على داعش في احتلال كوباني ففشلت أيضاً، لتصبح كوباني قلعة للصمود ولتصبح تركيا دولة داعمة لداعش، لتلجأ تركيا هذه المرة إلى استخدام قوتها كدولة عسكرية قوية ضمن حلف الناتو، وتهاجم عفرين، واستطاعت بكل قواها الجوية والبرية والفصائل السورية المرتزقة التابعة لها من احتلال عفرين لتوأد جزءأ من الحلم الكردي في الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط والخروج من قوقعة المنافذ الحدودية مع تركيا.

   إصرار تركيا على التمدد والاحتلال مستمر، خاصة بعد احتلال سري كانيه وكري سبي، وقطع أوصال روجآفا، والفصل بين إقليمي الجزيرة والفرات، أي فصل قامشلو عن كوباني، بعد اتفاق تركي روسي حيال تقويض النفوذ الكردي، والآن تراهن تركيا على احتلال عين عيسى لقطع آخر الطرق التي توصل جغرافيا روجآفا مع شمال وشرق سوريا، في السيطرة على طريق إم 4 وبذلك يصبح مشروع الإدارة الذاتية مشروعاً مقطع الأوصال، وتحت الرعاية التركية، والفصائل المرتزقة التابعة لها.

   تركيا التي وقعت اتفاقيتين منفصلتين مع روسيا وأمريكا، في أن وجودها مؤقت في سوريا، ما زالت تطبق تهديداتها على أرض الواقع، وتستفز كرد سوريا وشركائهم في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وتحاول بشتى السبل وباتفاقات علنية وسرية للوصول إلى احتلالات أكثر وأكبر في خارطة شمال وشرق سوريا، وبالتالي تطبق حلمها في سوريا في إقصاء الكرد وعدم حصولهم على أي مكسب وطني أو قومي.

   بتسلمها للملف السوري، أرادت تركيا ضرب المشروع الكردي الذي حافظ على ثلث الجغرافيا السورية، رغم محاولات التفاهم الكردية مع تركيا إلا أن تركيا تريد كرد ضعفاء تابعين للسياسات التركية، لا كرد أشداء باتوا قوة ضاربة في سوريا.

   ممارسة التغيير الديمغرافي الحاصل في المدن الكردية المحتلة بشكل ممنهج أحياناً وبشكل عشوائي أحياناً أخرى تظهر مدى حقد وعداوة الدولة التركية للمشاريع الكردية وحتى للوجود الكردي في سوريا، كما تعادي أي مشروع كردي آخر في أي جزء من كردستان، ولكن تركيزها على مكتسبات ومشاريع كرد روجآفا في هذه المرحلة إنما يأتي رداً مباشراً على الانتصارات السياسية والعسكرية الكبرى التي حققها الكرد في ردع حلفاء تركيا من جبهة النصرة، ومن ثم حلفائها الجدد داعش، وبالنهاية الجميع ينتظر موقفاً دولياً حازماً حيال التهديدات التركية المستمرة وغير المتوقفة على الكرد وشركائهم في المشاريع السياسية والعسكرية، لاسيما وأن ظهور قادة تنظيم القاعدة الإرهابي في مقاطعة عفرين مؤخراً يظهر مدى تنسيق الفصائل العسكرية السورية التابعة لتركيا مع تنظيم القاعدة لنشر الإرهاب مجدداً في مناطق آمنة أخرى من سوريا عامة ومن شمال وشرق سوريا خاصة.

   استقواء تركيا بقوتها الجوية وسط صمت دولي، ووسط عدم فرض أي حظر جوي على جغرافيا منتعشة يقيم فيها مئات الآلاف من النازحين السوريين بأمن تام دون اللجوء إلى دول الجوار، يحرض تركيا على استخدام صنوف قوتها في تخريب ما تم بناؤه وتدمير ما تم هندسته وتهجير ما تبقى من سكان آمنين في جزء من سوريا.

   تركيا ستحاول كثيراً وأد الأحلام الكردية ولكنها إن فلحت في بعض الاحتلالات بكل تأكيد شتفشل في أخذ الغطاء المطلوب للبدء باحتلال جديد، طبعاً إذا تم منعها من استخدام القوة جواً وقاطعها البعض القليل من الكرد والعرب على الأرض.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى