آراء

روجآفا بين حسابات واشنطن وموسكو

   بات من الواضح أن تركيا تعمل وفق خطة احتلالية متتالية لمناطق في الخارطة السورية، دون وجود موقف رسمي سوري أو موقف دولي واضح من تلك الاحتلالات، فتعتمد تركيا في تمددها على مبدأ “مدينة مدينة” عندما تستطيع توفير ظرف مناسب لأوهامها بالتزامن مع بدء العد التدريجي لانتهاء “اتفاقية لوزان”.

   قطعاً لم تتوقف تركيا عن هجماتها الجوية والبرية، ولم تتوقف عن التهديد اليومي، وهي بذلك تستهدف المشروع السياسي القائم، وهي بالأساس تستهدف الكرد ومكتسباتهم، في ظل مواقف خجولة من دول لم تترجم على أرض الواقع لوقف كل تلك الهجمات.

المطلوب دولياً:

*- اعتراف المجتمع الدولي أن تركيا دولة تمهد لتفشي الإرهاب مجدداً في المنطقة، الإرهاب الذي تضرر منه جميع شعوب العالم، والاعتراف السريع بأن تركيا في هجماتها الأخيرة كانت تستهدف بشكل مركز مراكز احتجاز داعش وعوائلهم.

*- لوقف تلك الهجمات بشكل عاجل الاذعان للمطلب الأساسي للإدارة الذاتية المتمثل في فرض منطقة حظر طيران على مناطق شمال وشرق سوريا، وهو مطلب من مكونات شمال وشرق سوريا لإيقاف الهجمات التركية، آنذاك لن تستطيع تركيا التوغل ولو متراً واحداً في حدود سوريا.

*- الاعتراف بأن تركيا كدولة متدخلة في الأزمة السورية كان لها اليد الطولى في زعزعة المنطقة وإثارة الفوضى والمزيد من الاحتلالات لعدم الاستقرار.

*- النظر بأهمية دولية إلى مبدأ التوافق بين قامشلو ودمشق كخط سير نحو الحل السياسي بدعم أمريكي ورعاية روسية، دون خلط الأوراق من جهات إقليمية.

   بين التصعيد التركي الخطير، الذي رافقه تقديم حلول روسية سريعة، لم يتم إلى الآن وقف الهجمات التركية التي تستهدف البشر والحجر مع وجود موقف أمريكي خجول غير مرضي لشركائها في قوات سوريا الديمقراطية.

   بحسب وكالة “نوفوستي” الروسية، فقد أعلنت الخارجية الروسية عن تفاؤلها بفكرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقد لقاء قريب بين قادة تركيا وسوريا وروسيا، في موسكو حصراً، جاء ذلك على لسان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، الذي قال “إن موسكو إيجابية للغاية بشأن فكرة الرئيس التركي لعقد اجتماع بين قادة تركيا وسوريا وروسيا”..

   روسيا التي لها الدور والأثر الكبير في إثارة الحرب أو التحريض على السلام في سوريا، ولها مصالح اقتصادية كثيرة في الساحل السوري، لا تفي على الدوام بالتزاماتها حيال وعودها للوفود الدبلوماسية الكردية التي زارت موسكو مراراً، وعقدت تفاهمات من أجل الضغط على رئيس حكومة دمشق لإيجاد صيغ توافقية للوصول معاً إلى تفاهمات كثيرة، سياسية، اقتصادية، عسكرية، بينه وبين الكرد ومشروعهم السياسي القائم المهدد دائماً من جانب تركيا، إلا أن كل الضغوطات الروسية حيال دمشق لم تكن جدية، بقدر ما كانت اللعب على وتر الوقت، بل والأكثر سلبية، حالياً، أن ترعى موسكو ذاتها تفاهمات بين النظامين السوري والتركي بعد كل تلك العداوة الشرسة بين نظامي دمشق وأنقرة، وبعد كل التصريحات التركية المطالبة بضرورة إسقاط نظام الأسد منذ العام 2011 وإلى ما قبل هذا التصريح، وأيضاً رعاية تركيا علانية للفصائل المسلحة السورية وتدريبها وتقديم الدعم اللوجستي لها من أجل تخريب الكثير من المدن السورية وأهمها حلب، حماة، حمص، وإدلب.

   بينما تتعاطى موسكو بإيجابية حيال التفاهم السوري – التركي المزمع الوصول إليه، تشير تقارير وتسريبات إلى رفض دمشق ووضعها جملة شروط ورغبتها بتأجيل مثل هذا اللقاء إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية المقرر إجراؤها في حزيران من العام المقبل، وربما هذا ما سيقرر مصير كرسي شخص أردوغان وحزبه، لأن الأسد يعي أن تركيا عمقت وعقدت الأزمة السورية أكثر من اللازم، كل ذلك لرجحان كفة طائفة على حساب كفة طائفة أخرى، وتخريب ما تم تشييده من قبل الكرد وشركائهم في روجآفا وشمال وشرق سوريا.

   تأتي فكرة المصالحة المزعومة بين النظامين، بعد تجريب تركيا لصنوف أسلحتها الجوية والبرية والسياسية والدبلوماسية للقضاء على مشروع الكرد وإنشائهم قوة عسكرية مشتركة، تمازجت دماء أفراد تلك القوة معاً في مقارعة الإرهاب، وأسسوا لمشروع ديمقراطي باتت تخشاها أنقرة أكثر فأكثر، وربما ترتضيه دمشق، ولكن بصيغة مختلفة، كل شيء قابل للتفاهم مع دمشق، طالما أن وحدة الخارطة السورية تهم الطرفين الأساسيين.

   حسابات أردوغان لن تكون صحيحة هذه المرة، وربما نتائج الانتخابات التركية المقبلة، تعيد الهدوء نوعاً ما إلى سوريا.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى