آراء

روجآفا في خارطة المؤتمرات والمؤامرات

   تباعاً، وعلى سنوات عجاف ألمت بالسوريين عموماً، ولت، انعقدت مؤتمرات شتى، وحيكت مؤامرات خبيثة وتحت أسماء مختلفة، وفي فصول وسنوات متتالية بين سويسرا وكازاخستان وروسيا، ناهيكم عن تلك المؤتمرات الهشة المنعقدة على منصة ومعضلة واحدة وهي مؤتمرات ومؤامرات استانبول، وكلها في المحصلة ركزت على توصيات هامشية لم ولن تخدم القضية السورية المتفاقمة ولم تخفف من وطأة الأزمة السورية ولم تفضي إلى أية نتيجة حتمية تفضي على الأقل إلى البدء بتسويات الحل السلمي المنشود راهناً، ذلك الحل الذي بات مطلباً أساساً وشفغاً عاماً لدى عموم أبناء الشعوب السورية من دمشق إلى قامشلو.

   غابت تماماً، وبإرادات عدوانية مقصودة روجآفا كجغرافيا وكخارطة صلبة من تلكم الخرائط المشهودة التي أظهرتها تلك المؤتمرات التي عقدت ورتبت وصممت بتوصيات مسبقة خلف الكواليس، وخاصة بين روسيا وتركيا وإيران من جهة، وبين المسؤولين الأمميين ووفدي النظام السوري ووفد من المعارضة الغائبة عن الساحة السورية والحاضرة على الدوام في الساحة التركية كجزء كبير من تعميق الإشكالية المعقدة أصلاً وأساساً من جهة ثانية.

   الإصرار الإقليمي على ضرورة غياب مشروع روجآفا السياسي على الشاشة أو الواجهة المحتفلة بالدم، أدى إلى تفويت فرص كثيرة كان من شأنها تنشيط العملية السياسية المجمدة لا تقوضيها وتجميدها أكثر، وبالتالي التركيز على الأرض السورية وخارطتها الممزقة حالياً، من انعقاد مثل تلك المؤتمرات بعيداً عن الأجندات الإقليمية التي خربت ودمرت الحجر وشردت وهجرت البشر من خارطة قريبة إلى خرائط أكثر بعداً وبروداً.

   بدء الحوار السوري – السوري على أرض شمال سوريا، في نسخته الثانية، خطوة جريئة جداً في اللجوء إلى رسم الحل السلمي والبدء بتنفيذه والترتيب له، وربما لو كانت بصورة أكثر قوة، لكانت مهدت لتأسيس مناخ واضح وجلي لتأسيس حوار مفضي إلى رسم ملامح الحل المأمول، رغم أنه ركز على نقاط كثيرة وبات يؤسس لمرحلة جديدة من حيث الاعتماد على كيانات وتيارات وأحزاب وشخصيات من مكونات سوريا ككل من الداخل والخارج، وهو بدء مرحلة جديدة في ظل التوازنات الدولية الجديدة، ويجب على الكرد سياسياً التعويل أكثر وبقوة على هكذا مؤتمرات تعقد على أرض سوريا وتكون منبتاً للحل لعموم السوريين أيضاً بعد سنوات الدم والفوضى والموت الفردي والجماعي، خاصة بعد التوصية بضرورة عرض مسودة دستور سوري جديد، والترعيف بأن الدستور الحالي لا يخدم الشعوب السورية، وأعتقد أن غالبية الذين حضروا جلسات المؤتمر المذكور اتفقوا على مسودة العقد الاجتماعي والحل وحل الأزمة السورية، وبذلك يكون مجلس سوريا الديمقراطية قد خطى خطوات مهمة جداً وسريعة جداً من خلال عقد اللقاء السوري- السوري، وجمع بين كل تلك الأطراف المعارضة الداخلية والخارجية غير الخاضعة لأجندات وفرمانات “الجارة” تركيا، واستطاع الحوار وفق جلساته المعلنة أن يركز بأكثرية حاضريه على ضرورة إيجاد حل جذري للأزمة السورية المستفحلة وتوحيد الرؤى ووجهات نظر عموم المعارضين السوريين وهذا بحد ذاته خطوة جادة ومتطورة نحو عقد مؤتمر وطني سوري عام، وكأن لسان حال مؤتمر الحوار السوري – السوري، يؤكد بأن جميع المؤتمرات المنعقدة في الخارج وبتدخلات خارجية وتوصيات إقليمية بحتة، محكومة بالفشل إذا استمر انعقادها وسيزيد من التعقيدات أكثر فأكثر، لاسيما اعتمادها على التوصيات المضادة للحل وإصرارها على الاستناد إلى الدور التركي العدائي للشعوب السورية برمتها.

   لا نخفي بأن المشهد العام برمته مشهد بائس، نظراً لتعقيدات الظروف المتقلبة بعد أن أصبحت سوريا كخارطة سياسية وعسكرية ساحة مفتوحة للفوضى والسلاح، ولكن يجب الإقرار أيضاً بأن هنالك جهود ومبادرات سياسية جريئة وشجاعة ومسؤولة يؤطر لها المسؤولين في شمال وشرق سوريا، انطلاقاً من تضحيات روجآفا، عبر تطلعهم المسؤول إلى حل سياسي سليم يناسب متطلبات الأمن والاستقرار بعد سنوات الحرب المفروضة.

   الحل العسكري المثقل بالموت أثبت فشله، والآن، بات مطلباً ملحاً الإصرار الكلي على الجانب السياسي وبإرادات سورية صرفة، دون إرادات خارجية للوصول إلى صيغة توافقية تخدم ضرورات الحوار، الحوار فقط لا غيره.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى