آراء

روجآفا من تبعات سيزر إلى الانفتاح..

العدد (442)

   يتيح القرار الأمريكي الجديد حيال سوريا المتضمن الموافقة على السماح بأنشطة استثمارية في مناطق من الشمال السوري، لأي متابع قراءة الرسائل السياسية والاقتصادية والأمنية التي يحملها مضمون القرار، ومكان تنفيذه، رسائل بكل تأكيد موجهة إلى نظام دمشق أولاً، وتركيا كدولة محتلة ثانياً، وروسيا كدولة ضامنة لعدة مناطق ثالثاً، بعد انهماكها في حربها مع أوكرانيا، بينما هي رسائل قاسية لتركيا، وربما في قادم الأيام ستصعد تركيا من لهجتها مجدداً وتصف القرار الأمريكي بأنه تشجيع على “الانفصال” وهذا ما يفنده الكرد وشركاؤهم في مشروعهم السياسي الجديد.

   استثناء مناطق روجآفا وشمال وشرق سوريا من تبعات قانون “سيزر” هو تنفيذ للرؤية الأميركية – الأوروبية لشكل النظام السياسي المقبل في سوريا ما بعد التسوية المحتملة، بأنه نظام لامركزي، ويمكن وصفه أيضاً بأنه التعافي المبكر لمناطق كانت ساحة للصراع المسلح، بفعل سياسات دول إقليمية، وصفر مبادرة من جانب حكومة دمشق.

   لا يمكن وصف القرار الأمريكي بأنه “تحريض” على الانفصال، كما يقرأه بعض المرتهنين لأجندات الخارج الإقليمي، لأنه بكل صراحة تحريض على التفاوض المأمول بين مجلس سوريا الديمقراطية ونظام دمشق من جهة، وتحريض على إيجاد تفاهمات مشتركة بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا بعد تهديدات مستمرة.

   توصيف النظام السوري للقرار الأمريكي مجحف بحق مناطق من جغرافية سوريا، في أنه مستثنى من تبعات إفرازات سيزر، وكان يجب أن يكون محط ترحيب كما رحبت به قوات سوربا الديمقراطية، وهذه المناطق ذاتها تحملت تبعات الحرب، ومقارعة إرهاب داعش وجبهة النصرة اللذان تضررت منهما الشعوب السورية أمداً طويلاً قبل أن تنتهي على يد قوات سوريا الديمقراطية التي تنضوي تحت مظلتها أفراد وعناصر كرد وعرب وآشوريين وسريان ومسيحيين.

   هنا يمكننا توصيف القرار بأنه تعامل أمريكي واضح مع منطقة محددة من الخارطة السورية، لإعادة مسار التسويات المقبلة في ظل توسيع هامش الحريات الاقتصادية التي يعنيها ويستهدفها القرار، والتخلص من القرار المركزي الجائر واللجوء إلى متطلبات الشعب وحاجات المجتمع، ولا يعني بتاتاً أن شمال وشرق سوريا منفصل عن باقي أجزاء سوريا التي يهيمن عليها النظام أو المعارضة العربية، وكل ما في الأمر أن هنالك مناطق ساخنة غير هادئة ومناطق حافظت على السلم الأهلي وتملك مشروعاً سياسياً مقبولاً من جميع المكونات، وأصل قانون قيصر يعني حماية المدنيين تحت مسمى عقوبات على الشركات والأشخاص التي كانت لها اليد الطولى في تعميق الأزمة السورية.

   العرف المتداول سورياً، أن سوريا لم تكن يوماً بلداً مستنداً إلى الأسس الديمقراطية، خاصة وأن الكرد كانوا يشلكون القومية الثانية في تلك البلاد منذ تأسيسها في العام 1920م، لذلك كان بلد القوميتين، ولكن الأولى أقصت الثانية بلا تردد، وذلك النظام والحكم حكراً على الأنظمة العربية فقط، خاصة بعد تسنم البعث السلطة، فبقيت سوريا بلداً بوصفها محتكرة من قبل مكون واحد.

   وهذا يتكرر الآن حتى بعد أكثر من 11 سنة نشوب الأزمة وظهور تيارات تحت مسمى المعارضة “الديمقراطية” فكانت نسخة مشوهة أكثر عن الفكر البعثي الذي يمثله النظام، فتوافقت على عداء الكرد، نعم الكرد فقط.

   الخطوة الأمريكية ربما يجب أن تكون مرحب بها بقوة من جانب جميع السوريين، لأن انتعاش أية بقعة جغرافية يعني تخفيف الضغط عن جغرافيا أخرى، إلا إذا كان غير المرحب والممتعض يحسب مناطق شمال وشرق سوريا خارج دائرة الهوية السورية.

  بين هذا وذاك، تبقى مسألة الهويتين، واضحة، خارطة وطنية، بهويتين، لا ثالث لهما، للتقرب من المنجز السياسي المأمول، أي فرد خارج من أتون الحروب والمعارك الدموية إلى فرد ينحاز لنفسه وفكره وما يؤمن به وذلك بالبناء وقبول الهوية القومية والرضى بالتعددية السياسة وعدم الإيمان بالإقصاء والخراب والدمار.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى