آراء

استشهاد جينا (مهسا) أميني يهز النظام الإيراني مجدداً

   احتجاجات الشعوب الإيرانية ضد نظام الملالي الرجعي الدكتاتوري لم تتوقف، كانت هناك احتجاجات عارمة بعد انتخاب رئيس الجمهورية لعدم نزاهتها، وكانت هناك احتجاجات واسعة ضد غلاء أسعار المحروقات، واحتجاجات أخرى بسبب سوء الوضع المعيشي الذي أوصل النظام الشعب الإيراني إليه، وعموماً هناك احتجاجات دائمة ضد سياسات النظام في الأهواز وبلوشستان وكردستان بشكل مستمر من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق القوميات الديمقراطية والقومية.

   في كل مرة كان النظام الإيراني يمارس أقسى أنواع المواجهات لقمع الاحتجاجات الشعبية كالقتل المباشر بالرصاص الحي والتعذيب الشديد والسجون وغيرها من أشكال القمع ناهيكم عن القمع الدموي لنضالات الكرد والعرب والبلوش وغيرهم في سبيل نيل حقوقهم القومية والديمقراطية.

   ومؤخراً فقد أدى استشهاد الفتاة الكردية جينا أميني على يد شرطة الأخلاق بحجة أنها لم تلتزم بالحجاب النظامي إلى انتفاضة عارمة في جميع أنحاء إيران، ولاتزال هذه الانتفاضة مستمرة، وهي لا تقف عند حد الاحتجاجات المطلبية، بل تعدت شعاراتها وأهدافها هذا الحد إلى إسقاط الدكتاتور (الخامنئي) وإسقاط النظام، وقد بدأت من كردستان بجميع مدنها وأريافها وسرعان ما امتدت إلى باقي أنحاء إيران بما في ذلك العاصمة طهران، وشارك فيها جميع المكونات الإيرانية على اختلاف انتماءاتهم القومية والسياسية.

   طبيعي أن قانون الحجاب لا يصل إلى (قتل) المرأة المخالفة، وإنما هناك عقوبات أخرى، ولكن لماذا قتلت جينا أميني؟ قتلت جينا أميني لأنها أولاً كردية ومن عامة الشعب، وثانياً للإمعان في اضطهاد الشعب الكردي لأن إعدام الشبان والمناضلين الكرد أصبح منهاجاً لنظام الملالي الرجعي الدكتاتوري، إذ يتم إعدام مئات الشبان الكرد سنوياً شنقاً في ظل سياسة إبادة الكرد في إيران لمقاومتهم المستمرة ومطالبتهم الدائمة بإطلاق الحريات الديمقراطية، حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة والتنظيم لجميع الإيرانيين من جهة ومن أجل تمتعهم بحقوقهم القومية والديمقراطية من جهة أخرى.

   استناداً إلى تجربة النظام الطويلة في قمع احتجاجات الشعوب الإيرانية والتي تعتمد على الحديد والنار، ولا يختلف في ذلك المحافظون والإصلاحيون، فإنه يواجه هذه الانتفاضة أيضاً بالحديد والنار. إن النظام الإيراني كأكثر نظم الطغاة في العالم لم يقدم حتى على الاعتذار عن قتله لمواطنيه، بل لازال يراوغ ويحاول حجب الشمس بالغربال مدعياً بأن جينا أميني قد ماتت بسبب الأمراض التي كانت تعاني منها.

   لقد أنزل النظام الإيراني إلى الشوارع كافة القوى الأمنية وأكثرها دموية، بمن فيهم الحرس الثوري وقوات الباسيج التي تستخدم سياسة القتل والتنكيل واعتقال الآلاف، وكأنه يدرك بأن هذا الأسلوب هو الأسلوب الوحيد لإسكات الشعب واستمراره في الحكم، وقد وصل عدد القتلى إلى حد الآن إلى المئات من ضمنهم عدد كبير من الأطفال، إنه نظام دموي لأنه يخاف من الشعب.

   إن الانتفاضة الحالية في إيران، وإن كانت قد انطلقت من كردستان لكنها ليست انتفاضة قومية بحتة، وإنما هي انتفاضة جميع الشعوب الإيرانية، وهي تعم الآن جميع أنحاء إيران، وهي انتفاضة سلمية ومن الخطأ عسكرتها، وهي إن لم تسقط النظام فإنها ستضعفه وتضعف بالتالي أذرعه في المنطقة، وبالرغم من كل أشكال القمع الدموي فإن الانتفاضة قد دخلت شهرها الثاني دون أن تضعف، وهذا دليل على حيويتها والتفاف الشعب حولها، لقد انتفضت جميع الجامعات الإيرانية والمدارس الثانوية وساندها الفنانون والمثقفون والكتاب والمجتمع المدني وكذلك العمال والفلاحون وحتى أنها امتدت إلى البازار.

   وكما أن النظام قد اكتسب الخبرة من قمع الاحتجاجات السابقة، فإنه يبدو أن المنتفضين أيضاً قد اكتسبوا الخبرة في مواجهته، وإذا كانت الاحتجاجات السابقة كانت تعاني من عدم وجود قيادة موحدة، فإن جيل الشباب في إيران هو الذي يقف في صدارة الانتفاضة، وهذا مؤشر على عمق جذور الانتفاضة وقوتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى