افتتاحيات الجريدة

استمرار التصعيد في الأزمة السورية

العدد (421)

-1-

   يستمر التصعيد العسكري والسياسي في إدلب إلى مديات خطيرة إلى درجة أنه لا يمكن لأحد التكهن بنتائجه، فالنظام قد أطلق حملته العسكرية في إدلب تحت شعار تحرير الأرض، وإن كانت الغاية الأساسية على طريقي حلب – دمشق وحلب – اللاذقية كما يعتقد البعض، كما شملت الحملة منطقتي غرب حلب وجنوبها، وقد استطاع النظام بالفعل انتزاع مناطق مهمة وواسعة بحيث استطاع السيطرة على طريق حلب – دمشق، ولا تزال الحملة مستمرة للسيطرة على طريق حلب – اللاذقية وعلى إدلب بحسب النظام، وإلى جانب ذلك فإن العلاقات الروسية – التركية أصبحت متضاربة بسبب مساندة الروس لقوات النظام، بل أن معركة إعلامية أصبحت تدور بينهما. ومن جانب آخر استقدمت تركيا قوات عسكرية كبيرة إلى مناطق النزاع، وتهدد بفتح معركة مع القوات السورية، بل انخرطت – ولو على نطاق ضيق – فيها، ومؤخراً أسقطت مروحية للنظام.

   كل ما هو موجود على الأرض يشي بحدوث تطورات كبيرة في سوريا، ومن بينها احتدام معارك عسكرية مباشرة بين تركيا والنظام السوري قد تتطور إلى ما هو أوسع، خاصة وأن الولايات المتحدة تصدر بعض الإشارات بمساعدة تركيا عسكرياً في مناطق إدلب، وهناك الروس أيضاً موجودون على الأرض وفي الجو في ظل السعي الأمريكي  استعادة تركيا من النفوذ الروسي، وقد يترتب على كل ذلك استمرار التواجد العسكري الدولي والإقليمي في سوريا، وتثبيت نوع من التقسيم للمناطق السورية إلى مدة طويلة، خاصة أن تركيا لها أطماعها المعروفة في الشمال السوري بدءاً من إدلب وإلى نهر دجلة وهي أطماع يعرفها الجميع، ولا تخفيها تركيا ذاتها، وكذلك الأطماع الإيرانية، كما أن روسيا تريد تثبيت مواقعها على البحر المتوسط وفي سوريا عامة، كمدخل إلى عموم منطقة الشرق الأوسط، كما لا تخفى على أحد المصالح الأمريكية ومصالح حلفائها.

   تركيا تلعب على عدة حبال، فهي قد أقامت تفاهمات واسعة مع روسيا تشمل العديد من المسائل، منها اقتصادية وبخاصة تمديد أنابيب الغاز الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا، ومنها سياسية وعسكرية إذ تذهب تركيا باتجاه تحديد علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة، وبما في ذلك علاقاتها مع حلف الناتو، فإنها تهددها بالتوجه نحو روسيا، وهناك أيضاً موضوع العلاقة بين تركيا وإيران، وهي علاقة يحسب لها الغرب ألف حساب في الصراع الدائر الآن مع إيران.

   وهكذا فإن الوضع في سوريا والموقف من أزمتها أصبح موضوع صراع داخلي وإقليمي ودولي ستكون له آثار كبيرة.

-2-

   ما تسمى بالمعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة في وضع لا تحسد عليه أبداً، فتركيا قد أرسلت قسماً من مرتزقتها إلى ليبيا لاستخدامها في صراعاتها الإقليمية والدولية، وأرسلت قسماً منها إلى منطقتي سري كانيه وكَري سبي لتحقيق الأهداف التركية، وقبل ذلك كانت قد أرسلت قسماً منها إلى عفرين، وتتصرف تركيا بهذه المعارضة وكأنها ملك وأداة لها وليست معارضة سورية لتحقيق أهدافها في سوريا ضد النظام السوري، ويدور الآن جدل واسع أحياناً فردي وأحياناً بشكل جماعي بين بعض أطراف هذه المعارضة التي أدركت حقيقة الموقف التركي ونواياه، وثمن هذه السياسة يدفعها الشعب السوري حيث تشرد مئات الآلاف بل والملايين منه في ظروف بالغة السوء.

   لقد وصلت بعض أطراف هذه المعارضة إلى فهم سياسات تركيا أردوغان، وألاعيب الإخوان المسلمين ولكنها ليست حرة في اتخاذ الموقف المطلوب لأنه لا ملجأ آخر لها، وهو بالفعل ظرف قاس.

   لقد أصاب السيد مظلوم عبدي كبد الحقيقة عندما وجه نداء إلى الشعب المغلوب على أمره في إدلب للتوجه نحو مناطق قوات سوريا الديمقراطية، وبالفعل فقد أمن للذين استجابوا للنداء ما يلزم من الخيم ومن المواد الإغاثية والطبية، وأمن لهم الرعاية الممكنة، ونفس النداء موجه إلى القوات التي لم تنغمس في الأعمال الإرهابية لكي تنفصل عن السياسة التركية وتنضم إلى قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل القوة الرئيسية الحقيقية للتغيير في سوريا، وبناء سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية، وتحقق الأهداف الحقيقية للحراك الثوري في سوريا الذي بدأ في عام 2011م.

   بقدر ما هي روسيا حريصة في عدم الاشتباك مع القوات التركية بالنظر لتداعياتها الكبيرة، فإن تركيا قد أصبحت وجهاً لوجه أمام وضع لا يحسد عليه، ومن الممكن أن تنخرط في مواجهة غير محسوبة مع قوات النظام السوري، وبالتالي توسيع نطاق المعركة إلى درجة خطيرة، وقد تدفع خسارة تركيا في ليبيا بأردوغان إلى تأجيج الصراع في إدلب، والدخول في مواجهة مسلحة مع النظام تنجر إليها أطراف دولية ومحلية أخرى.

-3-

   لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في روج آفاي كردستان وشمال وشرق سوريا موقف واضح لحل الأزمة السورية عامة ولشمال وشرق سوريا خاصة، وهي تمتلك من أجل ذلك خارطة طريق شاملة، ولا ترى مانعاً من الحوار والتفاوض مع النظام من حيث المبدأ لتأمين الحل الذي يوافق عليه الشعب السوري وشعوب روج آفا وشمال وشرق سوريا في سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية والتغيير الجذري في بنية النظام الدكتاتوري.

   وجربت الإدارة الذاتية الحوار مع النظام، وقدمت رؤيتها بكل جرأة وحزم، ولكن النظام استمر في تعنته ولم يبد الإيجابية اللازمة، والآن أيضاً تطالب روسيا من الإدارة الذاتية بالدخول في حوار مع النظام ولكن دون أن تضغط على النظام لتقديم التنازلات المطلوبة والمشروعة التي تحقق التقدم في المفاوضات، وفي المقابل تطالب الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية من روسيا وكل القوى ذات العلاقة أن تكون ضامنة لهذه الحوارات، وأن تضغط على النظام لتأمين الحل المطلوب، ومنذ عدة أيام خلت كان هناك وفد كردي في قاعدة حميميم، انتقل قسم منه إلى دمشق لإجراء حوار مع النظام، ولكن النظام كعادته استمر في تعنته، بالرغم من موافقته على تشكيل بعض لجان الحوار التي لم ترَ النور.

   إننا في الحزب اليساري الكردي في سوريا إذ نؤكد على موقفنا المؤيد للحوار والمفاوضات من حيث المبدأ برعاية دولية، فإننا نؤكد في الوقت نفسه أن تبنى هذه المفاوضات على أسس واضحة ومن أهمها:

1- بقاء قوات سوريا الديمقراطية والحفاظ على خصوصيتها في أي تشكيل جديد للجيش السوري.

2- الاعتراف بالإدارة الذاتية لروج آفا – شمال وشرق سوريا وكامل مؤسساتها بما في ذلك النظام التعليمي المعمول به حالياً وفي كافة المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية.

3- الاعتراف بوجود الشعب الكردي على أرضه التاريخية وفق المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، وحل قضيته القومية وفق ذلك.

 

-4-

   إن روج آفا – شمال وشرق سوريا ليس بعيداً عن مجريات الصراع الدائر الآن، ولا تزال تركيا تقصف مناطق سري كانيه وكَري سبي، وتقوم بكل الجرائم والموبقات في عفرين، ولا تزال تهدد باحتلال مناطق أخرى، الأمر الذي يستدعي اتخاذ كل الإجراءات والتدابير لإفشال المؤامرات التركية ومرتزقتها وتأمين الشروط الموضوعية والذاتية ومن ضمنها وحدة الموقف الكردي، وتمتين وحدة شعوب شمال وشرق سوريا، وفي هذا المجال يثمن الحزب اليساري الكردي في سوريا الجهود المبذولة من أجل وحدة الموقف الكردي التي كانت ولا تزال أحد مبادئ الحزب الأساسية، ويساند مبادرة الجنرال مظلوم عبدي، ويعرب عن تأييده فتح أحزاب ENKS لمكاتبها، ويرى من جهة أخرى أن على ENKS أيضاً مغادرة ما يسمى بالائتلاف السوري باعتباره معادياً للشعب الكردي، وشريكاً للاحتلال التركي لكل من عفرين والباب وسري كانيه وكَري سبي، وأداة طيعة في يد تركيا لمحاربة الشعب الكردي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن يقبل ENKS بالدخول في حوارات بناءة وحقيقية حول وحدة نضال الشعب الكردي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى