افتتاحيات الجريدة

اضطراب الشرق الأوسط بانتظار الحلول

-1-

   سيستمر اضطراب الشرق الأوسط وعدم استقراره لأسباب عديدة، منها أن المنطقة تعاني منذ مدة طويلة من مشاكل داخلية وقضايا كبيرة لم تحل بعد، بل أنها تعاني التعنت والإنكار، والإصرار على عدم حلها بالقوة وسفك الدماء، وفي مقدمتها القضيتان الكردية والفلسطينية، بالإضافة إلى مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان والفقر والتخلف مع وجود أنظمة استبدادية وفاسدة، وبسبب المشروعين الإيراني والتركي الذين يهدفان إلى التوسع واحتلال أراضي الغير سواء عن طريق استغلال المذاهب الدينية أو إعادة السلطنة العثمانية والإمبراطورية الفارسية، وكلاهما مشروعان سياسيان، وإن تم تغليفهما بالدعاية الدينية والمذهبية سواء منها المذهبية الشيعية أو السنية، ومنها أيضاً الصراع الدولي على المنطقة للسيطرة على مواردها الاقتصادية الضخمة، وعلى موقعها الجيوسياسي المهم بمساحتها وممراتها المائية وقوتها البشرية باعتبارها قلب العالم، ومن يسيطر عليها سيكون له قصب السبق في التحكم في العالم وسياساته، خاصة أنه في الوضع الدولي الحالي يجري تقسيم جديد للعالم، وما الصراعات الدولية الحالية سوى شكل من أشكال الصراعات الإمبريالية على تقاسم مراكز النفوذ والثروة في العالم من جديد.

   يظهر كل ذلك بوضوح من خلال تجليات الأوضاع القائمة، وخاصة بعد حرب غزة حيث أصبحت المنطقة على صفيح ساخن (Sêla sor)، لقد أصبح الصراع في أوج ذروته بين جهات عديدة من داخل المنطقة ومن خارجها، بينما تدفع شعوب المنطقة تكاليف هذه الصراعات من مواردها المادية ومن دماء أبنائها، وتستمر معاناتها على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، دون وجود بصيص أمل في نهاية النفق المظلم الذي تعيش فيه.

   إيران ضحت بحركة حماس، وتراجعت عن المشاركة معها في الحرب بعد أن تحققت أهدافها في إفشال التطبيع بين السعودية وإسرائيل على أساس إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وضرب مشروع الكوريدور الذي يمتد من الهند إلى سواحل إسرائيل، خاصة بعد أن رأت أن دخولها المباشر في الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا سيكون مكلفاً كثيراً، وقد يؤدي إلى إفشال كامل مشروعها، بما في ذلك نظام الحكم في إيران، ووقفت تركيا عاجزة عن فعل أي شيء جدي سوى بعض التصريحات الخلبية التي أطلقها أردوغان، وإخراجه بعض المظاهرات تأييداً لحماس، ولكنها – أي تركيا أردوغان – لم تقطع علاقاتها التجارية مع إسرائيل، بل أمدتها بالكثير من المواد والمستلزمات الضرورية، ولكن والحق يقال ثبتت تركيا أردوغان على هدفها الرئيسي في محاربة الكرد، فكانت هجماته المستمرة على روجآفاي كردستان وجنوب كردستان.

   في نفس الوقت رأت الولايات المتحدة والغرب عموماً أن الحرب الشاملة والمباشرة مع إيران قد لا تكون في مصلحتها، وخاصة في ظروف الحرب في أوكرانيا حيث تركز الولايات المتحدة وأوروبا على هزيمة روسيا، وترى أن الضرورة لا تكمن في توسيع الحرب.

-2-

   للأسباب المذكورة، ولأن إيران وأنصارها من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا وحلفاؤهما من جهة ثانية، وشعوب المنطقة من جهة ثالثة لا تريد الحرب المباشرة أو الحرب الشاملة، فإن إيران من أجل تحقيق أهدافها تلجأ إلى تحريك أذرعها سواء كان حزب الله اللبناني بقصف المناطق الشمالية من إسرائيل، أو الحوثيين بتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر، أو الميليشيات العراقية الشيعية بقصف القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، وإلى الآن تكتفي الولايات المتحدة والتحالف الدولي بالرد على تلك الهجمات واغتيال بعض قيادات الميليشيات التابعة لإيران، ولكن هل تقف الأمور عند هذا الحد؟ أليس هناك خطر اتساع هذه العمليات نحو حرب شاملة؟

   كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك توسع نطاق هذه الحرب، وازدياد حالة التوتر، وحتى نشوب حرب شاملة، في المنطقة خاصة إذا بقيت قضاياها عالقة ودون حلول حقيقية وهي كثيرة ومتنوعة، منها قضايا الشعوب المضطهَدَة كالشعبين الكردي والفلسطيني، وقضايا الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الإنسان وغيرها.

   نعم، إن عدم الاستقرار والأمن سيسودان الشرق الأوسط والعالم، وهناك خطر نشوب حرب واسعة وشاملة بغياب أية حلول حقيقية لمشاكلها التي تعانيها منذ انتهاء الحربين العالميتين الأولى والثانية، ذلك لأن قضايا المنطقة بقيت دون حلول حقيقية، وسادت فيها الأنظمة التابعة والفاسدة، ونهبت خيراتها وحرمت منها شعوبها.

   اتفاقيات سايكس – بيكو عام 1916 ولوزان 1923، وتقسيم كردستان، والقضية الفلسطينية، وحرمان شعوب المنطقة من التحرر الحقيقي ونهب ثرواتها، وتسلط أنظمة غير وطنية وغير ديمقراطية هي العامل الأساسي لاضطراب المنطقة وعدم استقرارها، وعدم إيجاد حلول حقيقية لها أو محاولة القفز فوقها ستبوء بالفشل، وستبقى المنطقة على ما هي عليه وأسوأ، ومعرضة للحروب والحروب الداخلية وتقسيم بلدانها مرة أخرى، خاصة وأنه لا توجد دولة من دولها مستقرة.

   إن مراكمة قضايا المنطقة وبشكل خاص القضية الكردية والقضية الفلسطينية، وقضايا الشعوب الأخرى، واستمرار ما يسمى بالصراع السني – الشيعي، وانتشار الفقر والاستبداد، وقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية تشكل بؤر التوتر وبؤر انتشار ظاهرة الإرهاب التي تتعزز بالاستناد إلى توفر الظروف المناسبة لها.

-3-

   كنتيجة لحرب غزة تشكلت على مستوى واسع بما في ذلك لدى الدول الداعمة لإسرائيل كالولايات المتحدة وأوروبا وغيرها قناعة تامة بأنه لا يمكن إيجاد حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والصراع العربي – الإسرائيلي دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ولذلك فإنها تضطر اليوم إلى الاعتراف بذلك، وتطرح حله على أساس حل الدولتين، أي الاعتراف بدولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وهذه القناعة تشكلت الآن لدى معظم دول وشعوب العالم، قناعة الأمر الواقع بعد النضالات الطويلة للشعب الفلسطيني وأنهار الدماء التي قدمها من أجل حريته، وقد يقدم هذا التحول حلاً جزئياً لقضايا المنطقة إذا ما تم تكريسه، ولكنه يبقى حل جزء من قضاياها، لأن هناك قضايا كبرى أخرى تنتظر الحل، وفي مقدمتها القضية الكردية، فالقضية الكردية هي قضية شعب جرى تقسيم وطنه كردستان بين أربع دول هي تركيا، إيران، العراق وسوريا، شعب ينوف تعداده عن /70/ مليوناً من البشر محروم من كافة حقوقه القومية والديمقراطية، ويتعرض للإبادة الوجودية والثقافية، وهو الآخر يخوض نضالاً مريراً منذ أكثر من قرن من أجل حريته، قدم خلالها مئات الآلاف من الشهداء وأنهار الدماء، ويتعرض لحروب إبادة شاملة وتستخدم ضده أسلحة الدمار الشامل، ولاتزال الدول الغاصبة لكردستان مجتمعة وفرادى تصر على إنكار وجود الشعب الكردي وتدمير ثقافته وخصائصه القومية بكل السبل.

   إن القضية الكردية هي إحدى القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط، بل وفي العالم، وهي قضية حية وكبيرة ولن يتمتع الشرق الأوسط بالأمن والاستقرار ما لم يتم إيجاد حل عادل لها، إنها قضية أكبر شعب في العالم محروم من حقوقه القومية والديمقراطية، ولا يتمتع بكيانه الخاص به، إضافة إلى أنه أحد الشعوب الأربعة الرئيسية التي يرتكز عليها الشرق الأوسط مع العرب والفرس والأتراك.

   سيستمر الشعب الكردي في نضاله بكل الأشكال المتاحة، وسيقدم كل التضحيات التي تقوده إلى نيل حريته، ومع أن من حقه تقرير مصيره بنفسه بما في ذلك تشكيل دولته المستقلة، فإنه لا يطالب الآن بالانفصال عن الدول التي يعيش فيها مع الشعوب الأخرى، إنه يناضل من أجل نيل حقوقه القومية والديمقراطية في ظل أنظمة حكم لامركزية سياسية (فيدرالية)، وهذا ما ينفي عنه تهمة الانفصالية التي تطلقها حكومات الدول التي تقتسم كردستان.

   لقد أضعف تقسيم كردستان نضال الشعب الكردي إلى درجة كبيرة، وأضر بوحدته الثقافية بحكم السياسات التي اتبعتها الدول التي تقتسم كردستان، إلا أنه شعب واحد تعرض إلى التجزئة مثل الشعوب العربية، وهو مصر اليوم كما كان في الماضي على الوحدة، توحيد نضاله، واعتبار قضيته قضية واحدة لا تتجزأ لأن الحرية لا تتجزأ.

   إن من الضروري اليوم توحيد طاقات الشعب الكردي في كل جزء، وفي عموم كردستان لأن ذلك يعزز من نضال الشعب الكردي، ويحشد طاقاته، ويضعف من حالة التجزئة التي تستفيد منها كل الدول التي تقتسم كردستان، وهو ما يجعل المجتمع الدولي يحترم ويميل إلى مساندة قضيته العادلة.

   في الظروف الدولية والإقليمية والمحلية الجديدة التي تسود الشرق الأوسط والعالم، وفي الظروف الجديدة التي يمر بها نضال الشعب الكردي فإن كافة الظروف أكثر ملاءمة لتطوير نضال الشعب الكردي نحو نيل حقوقه القومية والديمقراطية، وفي هذه الظروف تحديداً فإن أمام حركة التحرر الوطني الكردية مهام عاجلة وضرورية يجب اغتنامها، وفي مقدمة هذه المهام وحدة نضال الشعب الكردي، وحل خلافاتها بالطرق الديمقراطية، والاستفادة القصوى من الوضع الدولي، وبعبارة واحدة تعزيز الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية لنضال الشعب الكردي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى