افتتاحيات الجريدة

النووي الإيراني وآثاره الدولية والإقليمية والمحلية

العدد (433)

-1-

   يشكل الملف النووي الإيراني أحد أهم المسائل في السياسة الدولية في الوقت الراهن، ويشغل اهتمام العالم أجمع، وتنشغل به الدول العظمى بدءاً من الولايات المتحدة والصين وروسيا، وكذلك الاتحاد الأوروبي، ودول المنطقة كتركيا ومصر والسعودية وغيرها، وبالطبع كل من الوجهة التي تعزز مصالحها ومواقعها وأمنها القومي في الساحات الدولية والإقليمية.

   إيران ترى في حصولها على السلاح النووي ومتابعتها لسياستها التوسعية في المنطقة بدءاً من العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومن ثم السيطرة على دول الخليج الأخرى وتطوير ترسانة صواريخها البالستية مدخلاً إلى أن تصبح دولة كبرى لها نفوذها الواسع ومصالحها على امتداد العالم، وأن تقف في وجه الدول العظمى الأخرى وبالتالي التحول إلى قطب دولي بعد أن تكون قد سيطرت على معظم العالم الإسلامي. وتركيا من جانبها تدرك استراتيجية إيران، وهي الأخرى تمارس نفس السياسة، وتحاول الوصول إلى نفس المرتبة انطلاقاً من مفهوم العثمانية الجديدة مقابل الصفوية الجديدة في إيران، ولهذا نجد سياسة تركيا أردوغان في التوسع في العديد من المناطق مثل ليبيا وشرق المتوسط ومعاداتها لمصر والسعودية وغيرها من الدول العربية بالتحالف مع قطر وجماعة الإخوان المسلمين العالمية، إضافة إلى سياستها الأكثر وضوحاً تجاه الشعب الكردي في عموم أجزاء كردستان، وما احتلالها لعفرين وسري كانيه وكَري سبي والباب وجرابلس وإعزاز في روج آفاي كردستان وعدوانها المستمر على باشور كردستان بما في ذلك عدوانها الحالي إلا جزءاً من سياستها في ظل العثمانية الجديدة.

   إن السياستين التركية والإيرانية، بل المشروعين التركي والإيراني متشابهان، بل ومتطابقان، ويرميان إلى نفس الأهداف، وكان من المفترض أن تقف إيران وتركيا على طرفي نقيض لانطلاقهما من نفس الأرضية التوسعية ولصراعهما على نفس المناطق والمصالح، وهما متناقضان في الجوهر ولأسباب تاريخية يعرفها الجميع، ولكنهما تتبعان حالياً سياسة براغماتية، إذ لازال بالإمكان أن تستفيد كل منهما من الأخرى، ولاسيّما في المجال الاقتصادي، ولازالت الخلافات الدولية تجعلهما متقاربتين مرحلياً، يضاف إلى ذلك تاريخ طويل من العلاقات السرية بين جماعة الإخوان المسلمين العالمية وملالي إيران منذ عشرات السنين، وكذلك موقفهما المشترك من القضية الكردية التي تريان فيها خطراً على الدولتين في آن واحد، وهو عامل يجب عدم إغفاله في كل الحالات والظروف.

   إن الموقف من الملف النووي الإيراني يشكل في هذه الآونة صراعاً دولياً حاداً، وعليه وعلى نتائجه ستبنى الكثير من السياسات والتحالفات الدولية، فالموقف الدولي بموجب الاتفاق النووي الرامي إلى عدم امتلاك إيران للأسلحة النووية هش للغاية، إضافة إلى أن الموضوع لا يكمن فقط في السلاح النووي، وإنما يمتد إلى سياسة إيران التوسعية وأذرعها المسببة لزعزعة الاستقرار، وكذلك برنامجها الصاروخي الطموح الذي تحاول إيران تطويره بحيث تصل صواريخها إلى جميع بقاع العالم.

   الغرب يحاول منع إيران من إنتاج السلاح النووي، ووضع حد لممارساتها في ضرب الاستقرار والتوسع، وكذلك لبرنامجها الصاروخي، ولكن روسيا والصين تحاولان الاستفادة من هذا الموقف في بناء تحالف مع إيران للوقوف بوجه الولايات المتحدة وتعزيز مواقعها على حساب مواقع الولايات المتحدة وأوربا.

-2-

   للاستفادة من نتائج الصراع حول الملف النووي الإيراني سارعت الصين لضمان إمداداتها من النفط الإيراني، ولتعزيز مواقعها في الصراع الدولي الدائر ولاسيّما في الصراع مع الولايات المتحدة إلى عقد عدة اتفاقيات مع إيران من أهمها شراء النفط الإيراني، وهو يشكل بالنسبة لإيران مخرجاً من أزمتها الاقتصادية الخانقة بسبب العقوبات الأمريكية، وإلى عقد آخر باستئجار أحد الموانئ الإيرانية وتفاهمات أخرى لمقاومة العقوبات الأمريكية على إيران، ومن جهة أخرى لا يخفى على أحد التحالف الروسي – الإيراني – العراقي – السوري المناهض لسياسة الولايات المتحدة وحلفائها، بالإضافة إلى التحالف الروسي – الصيني الذي يرمي إلى نفس الأهداف.

   بطبيعة الحال فإن الصراع الدولي والمصالح الدولية أوسع بكثير من الملف النووي الإيراني، ولكن هذا الملف يشكل حالياً النقطة الملتهبة التي تدور حولها تلك الصراعات، وطريقة حلها والنتائج المترتبة عليها ستكون انطلاقة إلى مرحلة أخرى من الصراعات والترتيبات في الوضع الدولي وتحالفات لا بد منها وهي تتشكل الآن وإن لم تأخذ الشكل النهائي، ولعل هذا ما يجعل الإدارة الأمريكية الجديدة تتريث في اتخاذ القرار النهائي حول هذا الملف، سياسة الرئيس بايدن تختلف عن سياسة ترامب، وهي أكثر حكمة وحنكة، وقد يكون إفشال التحالفات الجديدة بين الصين وإيران وروسيا إحدى أهم غاياتها، وكذلك تعزيز التحالفات الأمريكية الأوروبية ومع غيرها من الدول والقوى في المنطقة والعالم غاية أخرى وستكون لنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية وسياستها المستقبلية فرصة أخرى لتعزيز الموقف الأمريكي وتطويره بالنسبة للملف النووي الإيراني، والوصول إلى اتفاق جديد يشمل الجوانب الثلاث، السلاح النووي – أذرع إيران وأنشطتها المزعزعة للاستقرار – البرنامج الصاروخي، ويمكن النظر إلى ما يجري الآن في العراق من أنشطة معادية للوجود الأمريكي، والوجود الأمريكي في شمال وشرق سوريا ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية كأشكال مرافقة لهذا الصراع الذي يجري ترسيخه تمهيداً للتحالفات المقبلة.

   إن جوهر المفاوضات التي تجري في بروكسل حول الملف النووي الإيراني، إنما يدور حول هذه المسائل، فالبعض –أي إيران وروسيا والصين – متمسكة بالاتفاقية القديمة، وأما الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية فتريد اتفاقاً جديداً يشمل المسائل الثلاث المذكورة أعلاه، وبالرغم من أن المفاوضين يتحدثون عن جوانب إيجابية في المفاوضات فإن الجوانب الثلاثة مترابطة ولا يمكن فصلها، أي أن الأزمة لازالت مستمرة، ولم تخرج من عنق الزجاجة بعد.

   يمكن القول بل التأكيد بأن جميع قضايا الخلاف والصراع في المنطقة تتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بهذه الصراعات على الملف النووي الإيراني وسياسة تركيا أردوغان العثمانية الجديدة، وأن وضع حد لسياسات إيران وتركيا المزعزعة للاستقرار في المنطقة هو بداية حل تلك الخلافات والصراعات.

-3-

   إذا كان من شأن هذه الصراعات الدولية والإقليمية والمحلية تشكيل واقع جديد في العالم وفي منطقتنا على وجه الخصوص، فما هي تداعياتها التي ستترتب على نضال الشعب الكردي وتوجهات حركة التحرر الوطني الكردية؟ بل كيف سيكون وضع الشعب الكردي في الأجزاء الأربعة من كردستان؟

   كل من تركيا وإيران والنظام السوري تدرك بشكل جيد الآثار الإيجابية والسلبية لهذا الصراع الدولي والإقليمي والمحلي، بل وتأثيراتها على كامل منطقة الشرق الأوسط، ولهذا فقد حددت مواقفها، وهي تعيش وسط هذا الصراع وتمارس سياستها العلنية والسرية، وهي بمجموعها سياسات معادية لتطلعات الشعب الكردي، فإيران تمارس أقسى أنواع الاضطهاد بحق الشعب الكردي في شرق كردستان، ولا تكتفي بذلك بل أنها تحارب الشعب الكردي في روج آفاي كردستان بالسلاح، وتشكل المجموعات المسلحة والخلايا وتزودها بكل الإمكانات من أجل إجهاض تجربته الديمقراطية، وأما تركيا فتسخر كل إمكانياتها السياسية والعسكرية بما في ذلك ترسانة حلف الناتو ضد الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة، لا بل وضعت محاربة الشعب الكردي وقضيته العادلة على رأس أولوياتها، ولا تتوانى عن مقايضة كل القضايا من أجل محاربة تطلعات الشعب الكردي عامة، وهذا هو موقف النظام السوري أيضاً الذي يستمر في سياساته المعادية للشعب الكردي ويتنكر لوجود أية قضية قومية كردية في سوريا، وحتى في العراق الذي يتمتع فيه الشعب الكردي بحق إدارة نفسه في ظل نظام فيدرالي فقد بدأت مظاهر معاداة الشعب الكردي تظهر بوتائر متصاعدة بمباركة من إيران والمجموعات التابعة لها، ولا يقوم العراق بواجبه في ردع هجمات تركيا على إقليم كردستان بالرغم من أنها بموجب الدستور العراقي جزء من الأراضي العراقية.

   هذه هي صورة مواقف الحكومات التي تغتصب كردستان من القضايا العادلة للشعب الكردي، ولكن فضاءات القضية الكردية أوسع بكثير من توجهات الأنظمة الغاصبة لكردستان وسياساتها المعادية للشعب الكردي، إذ هناك الوضع الدولي الجديد بكل تشعباته والتي يجب على الكرد الاستفادة منه بعد قراءة متأنية وتدقيق جميع جوانبه خاصة وأن القضية الكردية قد تخطت الإطار المحلي وأصبحت تطرح على الصعيد الدولي كأحد القضايا الدولية التي يجب وضع حل عادل لها، وهناك أيضاً طاقات الشعب الكردي الخاصة التي يجب حشدها وتعبئتها وتوحيدها في معركة الحرية، حرية الشعب الكردي التي هي بالإضافة إلى كونها أحد حقوق الإنسان الأساسية وحق قومي وديمقراطي ووطني في آن واحد.

-4-

   في إطار هذه الصراعات الكبرى في المنطقة والعالم فإن على الشعب الكردي وحركته التحررية الوطنية مهام كبيرة وجسيمة يجب التصدي لها بروح المسؤولية العالية بتطوير الظروف الموضوعية وتوفير الظروف الذاتية لإنجاح نضاله، وهنا لا بد من التأكيد على الضرورة القصوى لحماية البعد الدولي للقضية الكردية وتطويره، قراءة الموقف الدولي بعناية والاستفادة من جميع إيجابياته، وكسب رأي المجتمع الدولي، وكذلك حشد وتوحيد طاقات الشعب الكردي في كافة أجزاء كردستان وفي المهاجر وهي طاقات كبيرة بإمكانها كسب معركة حرية الشعب الكردي إذا تم توحيدها، ولا بد من إفشال المؤامرات الهادفة إلى بث التفرقة والفتن بين قواه السياسية والعسكرية، والحادثة الأخيرة التي نتج عنها استشهاد /5/ من عناصر البيشمركَة الذين تم استهداف عربتهم من قبل الطيران التركي وتسببت في خلاف بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني يجب أن تكون درساً للجميع، ولا بد من النضال لتأمين الاستراتيجية القومية الموحدة لحركة التحرر الوطني عبر مؤتمر قومي كردي، وحتى لو كانت الظروف الحالية غير متوفرة الآن فلا بد من النضال من أجل عقده في المستقبل، ولا بد أيضاً من تطوير العلاقات مع القوى الوطنية والديمقراطية في كل من العراق وسوريا وتركيا وإيران لتطوير النضال المشترك نحو الحرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى