ثقافة ومجتمع

التربية الاجتماعية – الهدف والغاية

   التربية الاجتماعية هي مجموعة النظم والأعراف والقيم المنظمة لسلوك وتصرفات أفراد المجتمع بما يحقق مصالحها المشروعة دون أن تنال من مصالح الآخرين، فالإنسان الفطري لا تحكمه منظومة التربية الاجتماعية ويتصرف وفقاً لأحكامه الفطرية دون أن يعي نتائجها الصحيحة أو غير الصحيحة تماماً كالطفل المدفوع غريزياً بتصرفاته، لا يعي مدى الضرر الذي يمكن أن يسببه ضد أقرانه الآخرين من البشر.

   لذا تهدف التربية لتدجين الإنسان الفطري وتلقينه جملة من التصرفات والسلوكيات والنظم بما يخدم أهدافه ومصالحه بالدرجة الأولى وبذات الوقت فإنها تخدم أهداف ومصالح الآخرين. إن نظم تدجين الإنسان الفطري لم تأتِ من الفراغ، وإنما هي سلسلة من الجهود والخبرات المتراكمة عبر الأجيال لتنظيم سلوكه وتصرفاته بما لا يتعارض ومصالح الآخرين.

   يعتقد ((رونيه أوبير)) أن هدف التربية:”هو أن تقود الإنسان من طبيعته المعطاة إلى جوهره المثالي، وأن يعينه على التخلص من الأولى وأيضاً على استخدامها وتكيفها لتتيح له الفرصة ليكون صانعاً لجسده، خالقاً معرفته، مشرعاً أفعاله ومبدعاً لذاته كعضو فعال في مجتمع يخضع للوعي”.

   إن هدف التربية هو تهيئة وتنشئة جيل جديد، يعي متطلبات الحياة ويسعى لإدراك مديات المجتمع الذي يبتكر بصورة مستمرة نظم وأعراف جديدة تساعده على تنظيم شؤونه الحياتية بما يخدم مصالحه ومصالح الآخرين ويجنح أكثر نحو مفاهيم: السلام والحرية والعدالة كسُبل لتحقيق أهدافه المستقبلية.

   وبهذا تنتقل الأجيال المتتابعة من نمط الحياة الفطرية إلى نمط الحياة المتمدنة الساعية أبداً للتخلص من سلوكياتها وتصرفاتها الغريزية لصالح التصرفات والسلوكيات المتمدنة من خلال ابتكار نظم وقيم وأعراف جديدة تحكم سلوكها وتصرفاتها بشكل متمدن.

   يعتقد ((الدوس هكسلي)) أن هدف التربية الاجتماعية:” هو تنشئة الكائنات الإنسانية الفتية على الحرية والعدالة والمساواة”. وعليه فإن مسعى كل جيل يكمن في تشذيب السلوكيات والتصرفات للجيل السابق وابتكار نظم جديدة يحكمها القانون، وهو مسعى اجتماعي معين لفرض تربيته وتوجهاته الخاصة على الجيل الفتي الذي ينهل منها ما يتواءم ومسيرة حياته ويسعى فيما بعد لتشذيبها وابتكار نظم وأعراف جديدة يورثها للجيل القادم. وبذلك يمكن اعتبارها نظم وأعراف وقيم متراكمة عبر الأجيال، يسعى المجتمع من خلالها لتنظيم العلاقة بين أفراده وفئاته الاجتماعية بما يخدم مصالح المجتمع.

   يلخص ((دوركهايم)) هدف التربية الاجتماعية قائلاً:”أن الإنسان الذي تود التربية أن تحققه فينا ليس الذي خلقته الطبيعة، وإنما الإنسان الذي يريده المجتمع أن يكون”.

   إن الطبيعة التي خلقت الإنسان، خلقته إنساناً ناقص التربية وبربري السلوك وليس بوسعه أن يكون عضواً في المجتمع دون أن يتدخل الأخير لإعادة خلقه من جديد ليكون إنساناً صالحاً للعيش مع أقرانه من البشر ويسعى لخدمة مصالحه وأهدافه دون أن ينال من مصالح وأهداف الآخرين.

   إن منظومة العقل الفطري الذي منحته الطبيعة للإنسان، ليس لها أي دور في تنظيم شؤونه دون أن يعمل المجتمع على برمجتها بالعديد من البرامج والنظم الاجتماعية المكتسبة عبر الأجيال لتكون صالحة للعمل ومن ثم العطاء والابتكار لخدمة نفسها وأقرانها.

   يعتقد ((رونيه أوبير))”أن هدف التربية الاجتماعية يكمن في صناعة الكائن، ورضاعته اجتماعياً لإدخاله في المجتمع من الواجهة الصناعية الفنية والواجهة الروحية في آن واحد”.

   إن إحدى الأسباب الرئيسية لتخلف المجتمع تعود لتخلف مناهجه التربوية لإعادة صناعة (تأهيل) الإنسان الفطري إلى إنسان مجتمعي (عصري) يعي وجوده ومصالحه في الحياة، فالإنسان غير المؤهل اجتماعياً غير قادر على متابعة مجريات التطور من حوله. لذا يسعى لإخضاع الإنسان المؤهل اجتماعياً بالقوة والعنف لتوظيف قدراته وإمكانياته لخدمة مصالحه الذاتية، وبالمقابل يسعى الإنسان المؤهل اجتماعياً لاستخدام كامل قدراته ومؤهلاته لمقاومة الإنسان (الفطري) غير المؤهل اجتماعياً باعتباره إنساناً غير سوي يلجأ إلى العنف والقوة لفرض نهجه وتوجهاته غير السوية على المجتمع!.

مصادر عدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى