آراء

التهديدات، التصعيد، العسكرة.. وأخيراً الديمقراطية

العدد (443)

فتح الله حسيني

   تشهد مناطق شمال وشرق سوريا حالة من التوتر المتصاعد جراء التهديدات التركية بغزو عسكري جديد، قابله إعلان قوات سوريا الديمقراطية، رفع جاهزيتها العسكرية للدرجة القصوى، كما أبدت استعدادها للتنسيق مع قوات حكومة دمشق لصد أي غزو تركي محتمل، وسط الفوضى التي تعم الخارطة السورية دون وجود مبادرة دولية حقيقية.

   يأتي ذلك مع دعوة قائد قوات سوريا الديمقراطية، حكومة دمشق لاستخدام أنظمة دفاع جوي لصد المقاتلات التركية في حال أقدمت أنقرة على غزو جديد، مشيراً إلى أن أولوياتهم تتمحور في الدفاع عن الأراضي السورية، وأنه لا ينبغي لأحد السعي لاستغلال هذا الوضع لتحقيق مكاسب على الساحة.

   بدوره، قال الرئيس السوري، بشار الأسد، في مقابلة تلفزيونية “إِن سوريا ستقاوم أي غزو تركي لأراضيها على الصعيدين الرسمي والشعبي، وَأَن قوات الحكومة كبدت نظيرتها التركية خسائر خلال المواجهة بينهما قبل عامين”.

   رغم أن التصريحات غير متكافئة، والتهديدات القائمة والغزو المحتمل، تحتاج الإدارة الذاتية أن تكون براغماتية أكثر، للتعامل مع الوضع الصعب التي تعيش فيه، حيث أنها محاطة بأكثر من عدو وتهديد، قد لا تستطيع الحكومة السورية تحمل مسؤولياتها، حيث أنها اعتمدت خلال السنوات الماضية على الدعم العسكري والمساعدات الإيرانية بالإضافة إلى الدعم الروسي السياسي والعسكري، وبالتالي فإن “النظام” لا يستطيع الوقوف وحيداً ضد التهديدات التركية في شمال سوريا، إلا بالتنسيق المباشر والعلني مع قوات سوريا الديمقراطية كقوتين قائمتين وتهمهما عدم التمدد التركي أكثر.

   عطفاً على القوتين القائمتين فقد ركزت وسائل الإعلام العربية والعالمية في الآونة الأخيرة على نقطتين مهمتين تحدث في مناطق الميليشيات التي تدعي أنها معارضة لنظام الحكم في دمشق، ولكن في الأساس هي تعمل وتعبث وتثير الفوضى في مناطق بعيدة كل البعد عن دمشق ذاتها، وحتى أنها باتت تتقاتل بشكل يومي فيما بينها على الغنائم والأموال والمعدات سواء في عفرين أو سريكانيه أو إدلب أو أطراف حلب، وصلت الحالة إلى الاقتتال الداخلي بين ميليشيات ما تسمى بالجيش الوطني أو الجيش السوري الحر، لأن همهما السيطرة على المعابر الحدودية، وفي النقطة الثانية، التي كانت مثار سخرية لدى الصحف العربية أن ميليشيا “فيلق الشام” باتت تسلم نقاطها وحواجزها في ضواحي “عفرين” إلى تنظيم “هيئة تحرير الشام” أو ما كانت تسمى بـ “جبهة النصرة” سابقاً، حتى أن الجبهة دلخت إلى عفرين مؤخراً بدون قتال، للسيطرة عليها وإخراج فصائل المرتزقة منها، بدعم روسي، لتقويض نفوذ تركيا فيها.

   بين هاتين النقطتين، فإن ما يحدث ليس سيناريو جديد، بل هو سيناريو مكرر بشكل يومي في مناطق سيطرة الميليشيات بعد أن تم تهدئة الأوضاع في مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية أي مناطق الإدارة الذاتية.

   في توصيف أدق، فإن تلك الميليشيات توزعت حسب الغنائم، وليس اللهاث وراء التحرير أو إعادة الكرامة كما كانت تدعي، فبعد ستة أشهر من انطلاق شرارة ما سميت بـ “الثورة السورية” تكشف القناع عن تلك المجموعات المسلحة التي انتشرت وتدربت وتسلمت السلاح بشكل سريع، ودخلت إلى المناطق الحدودية، متناسية أن شعارهم كان تغيير منظومة الحكم، وليس تغيير قيم الشعوب السورية.

   الارتهان الكلي لأجندات إقليمية، وتخريب ما تبقى باتت السمة البارزة لتلك الميليشيات، بعد أن تربت على السرقة لأكثر من عقد كامل.

   سواء أكانت جبهة النصرة في إدلب أو عفرين لا يهم، المهم أن هنالك ميليشيات تثير الفوضى والذعر، وسواء الجيش السوري الحر تحرك في حماة أو حمص أو بقي في معسكرات في غازي عنتاب، لا يهم طالما أن الهدف الأساس هو الغنائم وليس التحرير.

   بين كل هذا وذاك، فقد انكسر إيقاع الحرية، وتحول الهدف لتلك الميليشيات إلى النهب والسلب وعداوة الشعوب، بعد أن حلمت لستة أشهر فقط بالديمقراطية المنشودة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى