افتتاحيات الجريدة

الأزمة السورية إلى متى وإلى أين؟

افتتاحية العدد (432)

-1-

فشلت مفاوضات جنيف بجميع اجتماعاتها في الوصول إلى حل للأزمة السورية التي دخلت عامها الحادي عشر، وفشلت أيضاً جميع اجتماعات اللجنة الدستورية، ولا تبدو حتى الآن في الأفق أية بارقة أمل للوصول إلى حل يرضي السوريين الذين تستمر معاناتهم بين المهاجر الخارجية والنزوح الداخلي، وبقاء البلاد مدمرة، وصعوبات المعيشة وانتشار الفقر والمرض في ظل أوضاع لم تعد هناك حاجة لشرحها.

في اجتماعات جنيف واللجنة الدستورية لم تكن هناك مشاريع وطنية لسبب بسيط وهو أن النظام متمسك ببقائه في الحكم دون تقديم أية حلول حقيقية، أو تقديم تنازلات للشعب الذي يريد التغيير، وما تسمى بالمعارضة (الائتلاف السوري – الجيش الحر.. الخ) هي أيضاً مشابهة للسلطة في توجهاتها، ولا اعتبارات لديها في طروحاتها للمسألة الوطنية، كل من المعارضة والنظام مرتهنان إلى الخارج، النظام تتحكم فيه إيران وروسيا، إيران التي تريد التمدد شرقاً وفقاً لمشروعها الخاص بها والذي يرمي إلى السيطرة على العراق وسوريا ولبنان ومنطقة الخليج وغيرها، والمعارضة التي ترتبط بجزئها الأكبر بتوجهات تركيا أردوغان تحت راية جماعة الإخوان المسلمين العالمية التي تريد التمدد وفق مشروعها الخاص بها أيضاً لاستعادة أمجاد وممتلكات السلطنة العثمانية البائدة.

في ظل هذا الضياع عن إيجاد حلول حقيقية للأزمة السورية نجد النظام منهمكاً في هذه الأيام لإجراء انتخابات رئاسية في أواخر شهر أيار الجاري لتمديد ولاية دستورية جديدة لرئيس الجمهورية لسبعة أعوام أخرى فوق ركام من الدمار ودماء مئات الآلاف من أبناء البلاد، ومئات الآلاف من المعتقلين، وفي ظل تشرد نصف الشعب السوري، ونجد المعارضة الموالية لتركيا وفصائلها المسلحة قد تحولت إلى مرتزقة، يحاربون في ليبيا وناغورني قره باغ وكشمير والصومال وأماكن عديدة أخرى، كما تحولت إلى مرتزقة في محاربة الشعب الكردي واحتلال مناطقه في عفرين وسري كانيه وكري سبي وجرابلس والباب وإعزاز، لقد تحولت إلى بيادق لتركيا وإلى بنادق للبيع.

لقد أدى التدخل الإيراني والتركي في سوريا إلى تدويل الأزمة السورية مبكراً، وجر بالتالي تدخلاً دولياً سياسياً وعسكرياً واسعاً منها التدخل الروسي وتدخل التحالف الدولي الأمر الذي أخرج حل الأزمة من أيدي السوريين أنفسهم، وربطه بمصالح دولية واسعة، وهو ما عقدها أكثر فأكثر، ويتحمل النظام وما تسمى بمعارضة تركيا المسؤولية الرئيسة عن ذلك.

-2-

لأن المشروعين الإيراني والتركي، التدخل الإيراني والتركي السياسي والعسكري كانا السبب في إيصال الوضع السوري إلى ما هو عليه، فلا يمكن إيجاد حل لهذه الأزمة إلا بإزالة السبب، أي بإخراج كل من إيران وتركيا من سوريا بكل أشكال تدخلهما السياسي والعسكري، هذا مبدأ أساسي وقاعدة رئيسة لأي حل، العلاقة بين العلة والمعلول واضحة ويعرفها الجميع، وأما المحاولات الأخرى مع الإبقاء على مشروعي إيران وتركيا في سوريا والمنطقة عموماً فلا يجدي نفعاً، والمسألة قد تتجاوز سوريا إلى المنطقة عموماً لأن المشروعين التركي والإيراني يشملان المنطقة بأسرها، بل ويمتدان إلى معظم مناطق قفقاسيا ومعظم مناطق أفريقيا، وكل مظاهر الإرهاب وأهداف المجموعات الإرهابية ليست بعيدة عن أهداف ومرامي المشروعين التركي والإيراني.

وفقاً لجميع الوقائع فإنه لا تبدو أية آفاق تدل على قرب انتهاء الأزمة السورية وكيفية حلها، ففي الأزمات المماثلة في المنطقة كانت هناك تحركات داخلية وخارجية جادة، وكانت هناك مشاريع حلول مختلفة تطرح على الساحات وتناقش وتتفاعل، وأما في سوريا فالأمور أعقد بكثير، وأطراف الأزمة متمترسة في خنادقها، ولا دلائل على أي تقدم في مباحثاتها.

إن كل الأطراف المتدخلة في الأزمة السورية وبخاصة تركيا وإيران تعرقل الحلول الواقعية لأسباب عديدة، منها الحصول على أكبر حصة من الكعكة السورية، وكذلك استخدامها كورقة ضغط أو سمسرة على مواقف للحصول على مكاسب في ساحات دولية أو إقليمية أخرى، وتبقى مصالح سوريا والشعب السوري في مؤخرة قوائم اهتماماتها.

في خضم هذه الصراعات تجري الاستعدادات لانتخابات رئاسية في سوريا، وهي انتخابات معروفة الأهداف والنتائج، أي أنها انتخابات لاستمرار النظام وانتخابات لاستمرار الأزمة بكل جوانبها وتأثيراتها على سوريا وعلى المنطقة، وهي كما يعرف الجميع ليست جزءاً من قرار مجلس الأمن الدولي رقم /2254/ والأهم من كل ذلك أنها ستكون استمراراً لجعجعة الطاحونة السورية التي لن تؤدي إلى أية حلول سوى إلى استمرار معاناة الشعب السوري وآلامه.

إن النفق المظلم للأزمة السورية، وعدم وجود نقطة ضوء في آخر النفق يغذي القوى الإرهابية على اختلاف أشكالها ويطيل عمرها، فداعش لا يزال موجوداً بقوة في البادية السورية، ويقوم بتجديد خلاياه التي بدأت تنشط وتتحول إلى تهديد لضرب الأمن والاستقرار، وجبهة النصرة وتوابعها تعزز هي الأخرى نشاطاتها وتستجمع قواها على أمل استغلال الفرصة المناسبة للانتشار واحتلال مناطق أخرى.

-3-

كان الحديث يدور في فترة من الفترات حول وجود توافقات دولية، وبخاصة توافق روسي – أمريكي لحلول على الساحة السورية، وبطبيعة الحال فإن ذلك لم يكن صحيحاً، وكان يفتقر إلى الدقة، وفي الظروف الحالية فإن الأمور أكثر تعقيداً؛ الأجواء بين روسيا وأمريكا تميل إلى التوتر المتزايد، والأزمة الأوكرانية تستفحل، وكل من روسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو متدخلة في الأزمة الأوكرانية بشكل واسع، والعلاقات الأمريكية الصينية في طريقها إلى مزيد من التوتر، وإذا كانت المفاوضات تجري الآن حول الملف النووي الإيراني فإنه من السابق لأوانه التكهن بالوصول إلى حل لهذه المسألة المعقدة التي هي ليست فقط ملف نووي، وإنما يضاف إليه الدور الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة وفي العالم، وكامل البرنامج الإيراني للصواريخ بعيدة المدى، وبعبارة مختصرة إنه جوهر الصراع الدولي في المنطقة.

كل هذه الصراعات والتطورات الدولية والإقليمية لا تشجع على إمكانية التوصل إلى حل قريب للأزمة السورية التي تأخذ مكانها وسط هذه المعمعة، بل أصبحت جزءاً منها.

في خضم هذه الصراعات الدولية والإقليمية والمحلية نرى أنه قد آن الأوان ليفهم كل السوريين أو معظمهم بأن شعار (سوريا لجميع السوريين) هو الذي يجب أن يشكل المنطلق لحل أزمتهم وإحلال السلام والاستقرار في كل المناطق السورية، وأن يدفع باتجاه الحوار السوري – السوري الذي يجب أن يوصل إلى الحل الحقيقي للأزمة، وأن هذا الحوار يجب أن يجري برعاية الأمم المتحدة وفي ظل توافق يقوم على:

1- احترام الحدود الدولية لسوريا والدفاع عنها.

2- سوريا لجميع السوريين الذين يجب أن يتمتعوا بحقوق وواجبات متساوية، وأن يعود كل سوري إلى بيته بطريقة آمنة ويعيش بأمان.

3- إقامة نظام ديمقراطي يستند إلى دستور ديمقراطي توافقي يعترف بجميع المكونات السورية القومية والدينية والاجتماعية ويحمي حقوق الجميع.

4- إقامة نظام فيدرالي يلغي المركزية ونظام الدولة القومية.

-4-

بدون مثل هذا الفهم والتوافق بين المكونات السورية القومية والسياسية والاجتماعية، وترك الأمور لأهواء الخارج ومصالحه فإنه من الصعب التكهن بمتى وكيف سيتم حل الأزمة السورية، ناهيكم عن أن تركها للزمان وللأهواء الخارجية يعرض الوطن السوري والشعب السوري لمخاطر كبيرة، ويلقي بهما إلى مصير مجهول، وكل السوريين بغنى عن هذا المصير.

السوريون أدرى بمصالحهم وبمصالح بلادهم، ويجب زرع هذه الثقافة وهذا الإيمان لدى جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم في جميع المناطق السورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى