آراء

لماذا اختارت حركة حماس هذا التوقيت للتفجير؟

   لا شك أن لتاريخ وتوقيت الأحداث أهميتها في تفسير الأحداث والوقائع، لأن معظم الأحداث والتطورات لا تنبع من فراغ، وإنما تستند إلى وقائع وتطورات على الأرض، والتي ترتبط إلى حد كبير بقانون السببية، وهذا ما ينطبق على التفجير في قطاع غزة الذي أحدثته حركة حماس، فما هي الأسباب، وما هي الدوافع والقرائن؟ إضافة إلى أنه يجب التمييز الدقيق بين السببية وبين الترافق.

   من جهة وصل إلى الحكم في إسرائيل اليمين المتطرف، وتشكلت الحكومة من اليمين المتطرف والمتدينين المتطرفين أيضاً، واتبعت هذه الحكومة سياسة موغلة في العنصرية بحق الفلسطينيين ما أدى إلى حدوث مواجهات حادة بين المستوطنين اليهود والفلسطينيين، وبين القوات الأمنية الإسرائيلية والفلسطينيين ذهب ضحيتها الكثير من القتلى، وفي نفس الوقت استمرت مظاهرات اليهود ضد الحكومة الجديدة وسياساتها المتطرفة بما في ذلك إجراء حكومة اليمين تعديلات على النظام القضائي في إسرائيل، كل ذلك أدى إلى زيادة التوتر بين الفلسطينيين وإسرائيل، هذا من جهة، ومن جهة ثانية حدثت تطورات هامة في المنطقة بشكل عام، فقد كان الحديث يدور منذ عدة أشهر حول مشروع لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وكانت السعودية تشترط لذلك إيجاد حل للقضية الفلسطينية يسبق أو يتزامن مع هذا التطبيع، وبالرغم من أنه لم يتم نشر الكثير من المعلومات حول أسس وضوابط هذا الحل، فإن أغلب الظن يتجه إلى مشروع حل الدولتين الذي ينسجم مع التوجه العربي والتوجه الدولي لحل القضية الفلسطينية، ومن جهة ثالثة أعطت اجتماعات قمة العشرين التي جرت في الهند زخماً كبيراً للمشروع السعودي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكان الاتفاق على إنشاء الطريق التجاري الذي يبدأ من الهند ومن شرق آسيا والذي يصل إلى دول الخليج والسعودية وفلسطين (يمر عبر إسرائيل) بطرق برية وسكك حديد وطرق بحرية إحدى أهم نتائج هذه القمة، والذي لو دخل حيز التنفيذ فإنه كان سيعني:

1- تثبيت إسرائيل كإحدى دول المنطقة وتطبيع باقي الدول العربية العلاقات معها.

2- إن هذا الطريق سيصبح بديلاً عن الطريق الصيني (طريق الحرير القديم) الذي كان سيمر عبر إيران وتركيا (من وسط كردستان) والذي كان سيعزز من اقتصاد البلدين واستقرارهما.

3- إن هذا الطريق الجديد لا يمر في كل من إيران وتركيا، وهذا سيلحق ضرراً كبيراً بهما، وسيؤثر سلباً ليس فقط على اقتصادهما، بل سيؤثر أيضاً على وضعهما الاقتصادي في المنطقة.

4- إن هذا المشروع سيرسخ المملكة العربية السعودية زعيمة للعالمين العربي والإسلامي (الدولة الأولى في المنطقة) والتي بدأت بوادرها من آخر قمة عربية جرت في الرياض وأعادت سوريا إلى الجامعة العربية، وهذا يعني فيما يعنيه تراجع الدور الإقليمي لكل من إيران وتركيا، وقد يؤدي إلى إحداث قلاقل سياسية بينهما ويؤثر على استقرارهما، وعلى مشاريعهما في التمدد في المنطقة، إيران بكونها ممثلة ومعقلاً للإسلام الشيعي، وتركيا أردوغان التي تقاتل  من أجل زعامة العالم الإسلامي السني، ومن جهة رابعة لا يمكن اغفال ممر إرسال الأسلحة الإيرانية عبر سوريا إلى كل  من حزب الله والنظام السوري والحرس الثوري الذي تتواجد له قواعد كثيرة في العديد من المناطق السورية، هذا الممر الذي كان يتعرض – بالإضافة إلى مطاري دمشق وحلب – إلى غارات إسرائيلية مستمرة.

   حركة حماس التي تنطلق من كونها حركة جهادية إسلامية تعمل من أجل توحيد الأمة الإسلامية وفقاً لفكر جماعة الأخوان المسلمين العالمية ووفقاً لوثائقها الأساسية كانت تسيطر على قطاع غزة، وتعمل أيضاً من أجل تحرير فلسطين، ولذلك فقد حظيت بتأييد ودعم كل من إيران بالرغم من الخلاف الأيديولوجي بينهما، وتركيا أردوغان الراعية لجماعة الأخوان المسلمين العالمية، قدمت إيران لحماس كل شيء، المال والسلاح والدعم السياسي وكل الخبرات الفنية والعسكرية، وقدمت لها تركيا كل ما كانت تستطيعه إضافة إلى توفير الحماية لقياداتها في الخارج وحرية حركتهم والدعم الإعلامي بالتعاون مع دولة قطر.

   كل ما ذكر أعلاه يشكل سمة الإطار السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي الذي كانت تمر بها المنطقة عموماً والقضية الفلسطينية خصوصاً، وعنها نجمت العملية الأخيرة لحركة حماس في \7\ تشرين الأول الماضي، ومن هنا تتبادر إلى الأذهان الكثير من الأسئلة الهامة التي تتعلق بأسباب العملية ومآلاتها، ومن هذه الأسئلة:

1- هل كانت حركة حماس تؤمن فعلاً بأنها ستتمكن من تدمير إسرائيل، أو إرغامها على القبول بشروطها، وبالتالي ماذا كان الأفق السياسي الذي كانت حركة حماس تريد تحقيقه من هذه العملية؟

2- لماذا اختارت حماس هذا التوقيت بالتحديد؟

3- هل كانت إيران وأذرعها وتركيا وأذرعها غائبة عن هذه العملية؟

4- لماذا سارعت الولايات المتحدة خاصة والغرب عامة بإرسال قوات عسكرية ضخمة منذ الساعات الأولى من بدء العملية؟

5- ما هي تداعيات هذه الحرب؟

   لا شك أن الإجابة عن جميع هذه الأسئلة صعبة في الوقت الحالي، ولا تتوفر المعلومات الدقيقة بصددها، وقد تظهر العديد من الحقائق بعد إنهاء الحرب، ولكن بقراءة دقيقة ومتأنية لمجريات الأحداث والتطورات التي سبقت الحرب يمكن الإجابة عليها ومعرفة أسبابها ودوافعها.

   بداية وبدون شك أوقفت هذه الحرب مشروع تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وأوقفت أيضاً مشروع الطريق ولو إلى حين، وهذا هو الهدف الرئيس لعملية حماس التي أرادتها إيران وتركيا، غير أن استمرارهما فيما بعد يتوقف على نتائج هذه الحرب التي لم تنته بعد، كما يتوقف على الرأي العام العربي والعالمي وموازين القوى الجديدة في المنطقة في فترة ما بعد الحرب.

   في ضوء العلاقات السياسة وبخاصة العلاقات بين حركة حماس وكل من إيران وأذرعها، وتركيا وأذرعها في المنطقة لا يمكن لأي محلل سياسي أو عسكري أن يقتنع بأن حركة حماس بدأت هذه الحرب بمفردها ودون اتفاق أو تفاهم مع كل من إيران وتركيا، وذلك بسبب محدودية قوة حماس التي تعتمد بشكل رئيسي على الاتفاق وبسبب ضيق مساحة قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس بالمقارنة مع قوة إسرائيل الهائلة، وأن إقدامها على هذه الحرب دون الاتفاق مع الجهتين المذكورتين هي بمثابة مقامرة وليس فقط مغامرة عرضت الشعب الفلسطيني عامة إلى مآس إنسانية كبيرة، وبالرغم من إنكار إيران وتركيا معرفتهما بهذه الحرب فإن الأيام القادمة ستؤكد التوافق بين حماس وإيران وتركيا، غير أن مسارعة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية إلى إرسال قوات عسكرية ضخمة إلى المنطقة لمساندة إسرائيل في هذه الحرب قد حسم الأمور لصالح إسرائيل، وأدى إلى لجم أي تدخل عسكري من قبل إيران وتركيا وأذرعهما في المنطقة، وأن ما نشاهده من قصف بعض القواعد الأمريكية من قبل بعض الميليشيات الإيرانية بالصواريخ والمسيرات، وما يقوم به حزب الله اللبناني من قصف بعض المواقع العسكرية الإسرائيلية عبر جنوب لبنان لا يشكل تدخلاً عسكرياً حاسماً في هذه الحرب، وإنما تأتي بمثابة حفظ ماء الوجه بالمقارنة مع تهديداتها السابقة بمحو إسرائيل من الوجود، وأكثر من هذا يسود اعتقاد جازم بأن حركة حماس لم تكن لتقدم على هذه العملية بمفردها لو أنها لم تتأكد من مشاركة إيران وأذرعها وتركيا وأذرعها لو أنها لم تتأكد من مشاركة تلك الجهات لها في هذه الحرب لأنها كانت تعرف سلفاً النتيجة لو قامت بمفردها، نعم، لقد خذلت إيران وتركيا حركة حماس بعد أن شاهدت التدخل الأمريكي والأوروبي السريع إلى جانب إسرائيل، خاصة وأنهما – أي إيران وتركيا – حققتا هدفهما الرئيس بتأجيل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل وتأخير تنفيذ مشروع الطريق.

   يجمع جميع المراقبين السياسيين والعسكريين لهذا الحرب بأن إسرائيل ستخرج منتصرة من هذه الحرب، ولكن على أكوام من جثث الشهداء والجرحى وأنهار الدماء الفلسطينية وغزة مدمرة، وكوارث إنسانية كبيرة، وبخسائر كبيرة أيضاً في الجانب الإسرائيلي، وسيكون من تداعياتها أيضاً تعزيز وجود الولايات المتحدة والغرب عموماً في المنطقة، وبخاصة في سوريا والعراق في إطار الصراع الجاري حالياً ضد روسيا والصين وإيران، وفي المقابل ستعمل روسيا والصين وإيران من جهتها بكل الوسائل السياسية والاقتصادية على استمالة الرأي العام العربي لصالحها ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وبالتأكيد فإنها ستحصل على مؤيدين لها سواء كانت دولاً أو أحزاباً وقوى سياسية، وهذا يعني أن المنطقة ستكون ساحة صراع ساخنة، خاصة أن من مصلحتها خلق ساحة صراع مفتوحة في الشرق الأوسط ضد الولايات المتحدة وحلفائها تكون ساحة صراع مكافئة لساحة الصراع على أوكرانيا في أوروبا.

   وأما تداعيات هذه الحرب على القضية الفلسطينية فلن تكون مباشرة وستحتاج إلى بعض الوقت لأن إسرائيل ستشعر بأنها بإقدامها على حل سريع سيكون ذلك من منطلق ضعف وتحقيقاً لأهداف عملية حماس التي هزت إسرائيل بالفعل وآلمتها بشدة، وألحقت بها خسائر سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية كبيرة، ولكن بعد سنة أو أكثر فإن المشروع السعودي سيأخذ طريقه إلى التنفيذ بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وستقف معها معظم الدول العربية وبخاصة مصر والأردن ودول الخليج بالتعاون مع العديد من دول العالم، وبخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، وسيكون الحل في إطار (حل الدولتين) الذي يحظى بموافقة عربية ودولية.

   إننا في الحزب اليساري الكردي في سوريا نرى وبغض النظر عن مواقف حماس أن قضية الشعب الفلسطيني قضية عادلة، ولا بد من إيجاد الحل العادل لها، ولن تشهد المنطقة والعالم الأمن والاستقرار الدائمين دون إيجاد حل عادل لها، كما لن تشهد المنطقة والعالم الأمن والاستقرار دون إيجاد حل عادل لقضية الشعب الكردي، ولذلك فإننا نقف إلى جانب حرية الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في بناء دولته المستقلة على أراضي الرابع من حزيران لعام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.

صالح عباس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى