آراء

مفردات نظام دمشق، مفردات المعارضة، وما بينهما الكرد

فتح الله حسيني

   لم ترق للمعارضة العربية الإسلامية السورية بأن أعطت إدارة بايدن استثناء من العقوبات المفروضة في قانون قيصر لمناطق روجآفا، وبذلك فإنها كشفت للمرة الألف بأنها معارضة للمشروع الكردي وليس لنظام دمشق، من حيث أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدأت تتعامل مع مناطق روجآفا، بوصفها مناطق شبه مستقلة لها شؤونها الإدارية والسياسية الخاصة بوصفها إقليماً مستقلاً.

   ولذلك ومنذ إعلان الإدارة الذاتية فإنها تعمل وفق مشروع سياسي شبه متكامل، سياسياً وعسكرياً، لاسيما بعد أن أحرزت قوات حماية الشعب الكردية انتصاراً على جبهة النصرة في رأس العين عام 2012، ومن ثم داعش في آخر معاقله في دير الزور، ليتم ظهور ملامح المشروع السياسي الكردي بشكل واضح وسليم وديمقراطي و”شبه” تعددي، وهذا ما يأمله الكرد لعموم الخارطة السورية في أن تكون دولة ديمقراطية تعددية دون حكم الحزب الأوحد.

   لعل مما زاد الجدل بشأن خطوة الإعلان عن المشروع السياسي الكردي هو الجدال المستمر بين الطرفين النقيضين: نظام دمشق والمعارضة العربية، اللتان تتفقان دوماً في اتهام الكرد بالانفصاليين، رغم أن للكرد ذاتهم اليد الطولى في تخفيف الأزمة لا تعقيدها.

   لم تخض قوات سوريا الديمقراطية يوماً صراعاً دامياً داخلياً الا للدفاع عن نفسها وعن جغرافيتها ومكوناتها، وباتت بحكم القوة الشرعية الأولى نظراً للمكونات المنخرطة في صفوفها مقاتلين ومقاتلات وقادة فصائل عسكرية متفرقة، بل وكانت الحامية للمشروع السياسي القائم، ولم يجعلوا بالتالي أية جغرافيا مسرحاً لحرب أهلية طاحنة كما شهدته مناطق نظام دمشق والمعارضة العربية.

   هنالك دائماً متغيرات متسارعة، ولكن يصطدم الكرد على الدوام مع المشروعين العروبيين الصرفين: مشروع النظام ومشروع المعارضة، في أنهما يرتهنان للطائفية أكثر من الوطنية السورية، وبذلك لا يمكن مرة أخرى للسوريين جميعاً الحفاظ على كيان سوري يجمعهم، تحت سقف دولة وطنية ديمقراطية تحترم الهوية القومية والدينية وحقوق الإنسان وتصون كرامته.

   وربما ما ذهب اليه مظلوم عبدي مؤخراً، يثبت ذلك، في أنه لا بد أن يعلم الجميع أن الأساليب العسكرية لا تكفي وحدها لمحاربة الارهاب، وتحقيق النصر القاطع لا يمكن أن يتأتى إلا في وجود الدعم الاقتصادي والإداري لروج آفا، حيث كان لقانون “قيصر” أثراً سلبياً على الاقتصاد السوري عامة واقتصاد روجآفا بشكل خاص، حيث باتت روجآفا واقعة في دائرة حصارات مختلفة.

   ورغم الكثافة غير المعهودة، في نشر الإعلام التركي تسريبات عن تقارب قريب بين أنقرة ودمشق، ربيبتي الجهتين، الأولى تدعم فصائل مسلحة ومعارضة للنظام، والثانية تقف متفرجة على ما تحتله الأولى من الأراضي السورية فأن ما يجول في خاطر أردوغان هو حلم الهيمنة على شمال وشرق سوريا، حيث كان للطرفين: النظام والمعارضة دور كبير في تعميق الأزمة ولدمشق موقف هزيل حيال حل الأزمة سياسياً، لاسيما وأن الفصائل المسلحة السورية التي تعمل تحت الطلب التركي على الدوام جاهزة لأي تحرك نحو اجتياح جديد في جغرافيا الإدارة الذاتية، وهنا تلتقي أهدافهما القذرة.

   التقارب بين النظام والمعارضة، أو بين دمشق وأنقرة، لا يعني، أبداً، عودة الهدوء الى سوريا، لأن تغيير الكثير من الخرائط بدأ فعلياً، والوجود الأمريكي في شمال وشرق سوريا، والروسي في الساحل والايراني في دير الزور ووجود تركيا في سبعة مدن سورية يعني أن الحل معقد كما الصراع، لذا يستوجب حل داخلي أولاً، ثم وجود توافق دولي لرسم ملامح الحل دون معارك جديدة، كما أن لقاء الطرفين لا يعني عودة الهدوء وبدء سريان دم الحل طالما أن هناك جغرافيا كبيرة وخصبة مغيبة عن الحل السياسي المنشود، ومقصية عن التوافقات الدولية، بفضل الأحقاد الإقليمية.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى