آراء

سوريا التي تريد تركيا “فقط” خرابها – فتح الله حسيني

العدد (436)

   بدأت الماكينة الإعلامية التركية بالترويج مجدداً لحرب جديدة في شمال وشرق سوريا وعلى لسان رئيس الدولة رجب طيب أردوغان بالتحديد تهديداً ووعيداً، بأنه يمكن أن تبدأ عملية عسكرية للقوات التركية في أية لحظة وهذا ما يمكن استنتاجه من محتوى المنشورات المكتوبة بالعربية التي أسقطتها ونثرتها الطائرات التركية فوق بلدة “تل رفعت” المطالبة بالتحريض الشعبي ضد وحدات حماية الشعب الكردية المسيطرة على المنطقة، ولم تخفي صحيفة “ملليت” التركية بأن قوات من المعارضة العربية السورية والمعروفة لدينا بالمرتزقة الموجودة في إدلب تستعد، بدورها للمشاركة في المعركة المقبلة، بعد أن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق ايجابي ملحوظ بشأن الأزمة السورية بين بوتين وأردوغان في سوتشي مؤخراً، وإن توصلا بحسب صحف البلدين إلى اتفاقات قليلة الأهمية مقارنة مع الأحداث السياسية والعسكرية المتسارعة في المنطقة والمتغيرات الدولية، حيث باتت الأوضاع الاقتصادية المتردية في تركيا وتمويل مجموعات المرتزقة ومسألة التسوية في إدلب تثقل كاهل الدولة التركية التي تطلق التهديدات في ظل الحالة الصعبة والمستعصية التي تعيشها تركيا برمتها.

   تركيا بعد كل الاحتلالات وتحشيدات للمرتزقة وانتشار جنودها في ساحات ونقاط مختلفة تريد حفظ ماء وجهها في ظل الفشل الداخلي لذلك تبدأ بين الفينة والأخرى بتصدير أزمتها الخانقة إلى خارج حدودها لتصرح عدائياً على الدوام ضد وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية كحجج في اتهامها باستهداف جنودها المنتشرين في المناطق المحتلة دون أن يدرك أردوغان وأركان حكومته وماكينته الإعلامية أن الأرض تعود لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب وكل الشعوب السورية وأن جنود أردوغان مارقون في تلك الجغرافيا ومرتزقته باتوا رهاناً خاسراً، صحيح أنهم سوريون ولكنهم باتوا في عداد الأتراك المعادين لسوريا أرضاً وشعوباً.

   فشلت إلى الآن رهانات بدء الحوار المتكامل، بضمانات دولية، بين الكرد والإدارة الذاتية ونظام دمشق من جهة، وبين الكرد والنظام التركي من جهة أخرى، كما فشلت إلى الآن المساعي الأممية حيال إيجاد مخرج نحو الحل السياسي وبذلك تعقدت وتتعقد المسألة السورية يوماً إثر يوم، ولكن بات الموقف الأمريكي أكثر وضوحاً الآن، إذ أعلنت إدارة جو بايدن بأنها لن تتخلى عن تقديم الدعم بل وستستمر في ذلك الدعم لقوات سوريا الديمقراطية وهذا ما كرره عدد من المسؤولين الأمريكيين الرفيعين وأعضاء من الكونغرس الذين استقبلوا بحفاوة وفداً مشتركاً من مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في واشنطن، إبان وجود أردوغان ذاته في أمريكا، وهذه تشكل ربما حالياً المشكلة الأساسية القديمة – الجديدة، بين واشنطن وأنقرة، ولا يخفيه رئيس تركيا بل يعلنها بشكل يومي في خطاباته التي باتت تتكرر لأكثر من خطابين في اليوم وهذه سابقة خطيرة لرئيس دولة بات يتحدث أكثر من مذيعي القنوات التلفزيونية الترفيهية، خاصة وأن الرئيس الأمريكي أعلنها جهاراً بأن أردوغان ودولته متسلطة وديكتاتورية، وكل ذلك يكشف مدى الحقد التركي في الأزمة السورية، في لجوئها إلى الذرائع والحجج من أجل فتح معركة جديدة في شمال وشرق سوريا، خاصة وأن مرتزقتها باتوا منتشرين في جغرافيات مختلفة، وتستطيع تركيا التعويل عليهم في خلق أي إشكال أمني تريدها تركيا.

   سينتظر الرئيس التركي عقد قمة العشرين المقبلة المزمع عقدها أواخر أكتوبر الحالي في العاصمة الايطالية روما، لطرح إشكاله الجديد وحربه الجديدة على الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل خوض مغامرته الجديدة في شمال وشرق سوريا، وربما لأنها قمة استثنائية لـ”مجموعة العشرين” وستناقش مسألة مكافحة الإرهاب، فلا بد لهذه القمة الاستثنائية أن تكون لها اليد الطولى في كبح جماح الإرهاب الدولي الذي تدعمه تركيا في سوريا وتركيا معاً.

   سوريا التي باتت أزمتها معقدة أكثر من اللازم وباتت تشوبها مضاعفات يومياً تؤجج الكارثة الإنسانية، إلا أنها بقيت معضلة تدفع ضريبتها الشعوب السورية فقط، في ظل صمت المجتمع الدولي، وهي سوريا ذاتها التي تريد تركيا فقط خرابها.

   الأعين ستظل على قمة العشرين بينما أنقرة تتحضر لخوض مقامرة ومغامرة عسكرية جديدة في سوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى