افتتاحيات الجريدة

موجة ثانية من الحراك الشعبي الثوري وافتعال فتنة دير الزور

-1-

   بعد تمكن النظام السوري من بسط سيطرته على العديد من المناطق وحكمها بالحديد والنار بمساعدة حلفائه الإيرانيين والروس، وأصبح يتباهى بأنه قد حقق الانتصار، وأنه يعمل من أجل استعادة باقي المناطق التي لازالت خارج سيطرته، فقد تفجرت في أواخر شهر آب/أغسطس المنصرم موجة ثانية من الحراك الشعبي الثوري في جنوب سوريا، وبخاصة في السويداء ودرعا والتي سرعان ما انتقلت تداعياتها إلى مناطق أخرى، وبخاصة في الساحل السوري الذي يعتبره النظام حاضنته الشعبية وإلى مناطق دمشق وحلب وحماة، ولازالت العديد من المناطق السورية تتلقى أصداء هذه الموجة التي يتلقفها الشعب السوري في جميع المناطق باهتمام بالغ، وفي هذا المجال كان بيان مجلس سوريا الديمقراطية واضحاً باحتضان هذا الحراك ومساندته والمشاركة في تعزيزه.

   إذا كان هذا الحراك قد بدأ بقوة بعد أن قام النظام بزيادة الرواتب 100% ورفع الدعم عن كافة المواد المدعومة وبخاصة المحروقات ما أدى إلى زيادة الأسعار وارتفاع معدل التضخم بنسبة كبيرة بحيث لم يعد الراتب والأجر يكفي لثلاثة أيام وانتشر بذلك الفقر والجوع، فقد أصبح هذا الحراك يرتدي الشرعية الشعبية بحيث يقف إعلام النظام عاجزاً أمامه ولا يستطيع تقديم أية وسيلة إقناع لمواجهة هذا الحراك، كما تقف كافة أجهزة النظام عاجزة عن إيجاد أية مبررات لقمعها بقوة السلاح.

   من جهة أخرى كانت شعارات جماهير السويداء واضحة، إذ تجاوزت المطالب المعيشية إلى المطالب السياسية، قالت جماهير السويداء صراحة بأنه ليس الجوع وحده هو الذي يحركهم ويدفعهم إلى الاجتماع والتظاهر، وإنما يطالبون في الوقت نفسه بالتغيير السياسي، طالبت تلك الجماهير باللامركزية وبالإدارة الذاتية، وطالبت بإنهاء الاستبداد والإتيان بالبديل الديمقراطي، أي أن المطالبة بتحسين الوضع المعيشي يندمج بشكل لا يمكن فصله عن المطالبة بالتغيير السياسي.

   تأتي هذه الموجة الجديدة من الحراك الثوري في وقت ينهار فيه النظام اقتصادياً، ويعجز عن إجراء أية إصلاحات اقتصادية، لا يملك أية موارد للطاقة وبخاصة المشتقات النفطية والكهرباء، كما لا يملك موارد كافية من الحبوب والمواد الغذائية، ولا يستطيع داعموه من الإيرانيين والروس تقديم ما يحتاجه من الدعم بسبب أوضاعهما الخاصة.

-2-

   في ظل انهيار الوضع الاقتصادي للنظام، وعدم قدرته على مواجهة الاستحقاقات الضرورية لتحسين الوضع المعيشي للشعب، فإنه من المتوقع أن تتوسع الاحتجاجات لتشمل جميع المناطق التي يسيطر عليها النظام، ونؤكد على ضرورة أن تبقى هذه الاحتجاجات سلمية وديمقراطية تعكس المطالب المحقة للشعب السوري، وأن يتم تجاوز الأخطاء التي وقع فيه الحراك الأول.

   إذا كان هذا الحراك محتدماً الآن في السويداء (جبل الدروز) فإنه من الأهمية بمكان أن يمتد إلى الساحل السوري، وإلى كافة المناطق التي تشكل فيها الطائفة العلوية الكريمة الأغلبية، أي إلى المناطق التي يعتبرها النظام حاضنته الشعبية، لأن ذلك يسحب البساط من تحت أقدام القوى المتطرفة، وبخاصة جماعة الأخوان المسلمين مطية أردوغان الكبرى وبما في ذلك جبهة النصرة وداعش وغيرها من المجاميع الإرهابية، ولأن ذلك أيضاً يكسب الحراك طابعه الوطني والديمقراطي العام، ومن المهم جداً منع خروج الاحتجاجات من أمام المساجد بعد صلاة الجمعة، كما أنه من المهم جداً الانتباه إلى التدخلات التركية والإيرانية والجهات المرتبطة بها مثل الائتلاف السوري الذي عرفه الشعب السوري جيداً باعتباره أداة لسيطرة تركيا وجماعة الأخوان المسلمين.

   الواجب هو الحفاظ على الطابع الوطني الديمقراطي السوري لهذا الحراك، هو ليس حراكاً درزياً أو علوياً أو سنياً، وليس حراكاً عربياً أو كردياً، أنه حراك الجميع ويهدف إلى أن تكون سوريا لجميع السوريين، كما يهدف إلى استعادة التاريخ الكفاحي للثورة السورية الكبرى عام 1925م عندما اندلعت بقيادة الدرزي سلطان باشا الأطرش في جبل الدروز، والعلوي الشيخ صالح العلي في جبال العلويين، والكردي إبراهيم هنانو في جبال الزاوية وجبال الأكراد في عفرين واللاذقية.

   يترتب على الدول العربية التي ساهمت سابقاً بهذا الشكل أو ذاك في الأزمة السورية، كما يترتب على الجامعة العربية واجب عدم السماح باستخدام عودته إلى الجامعة منصة لمحاربة هذا الحراك الثوري، عليها أن تقف إلى جانب المطالب المحقة للشعب السوري من أجل إيجاد حل حقيقي للأزمة السورية، وليس عن طريق حلها خطوة بخطوة لأن كل ذلك لن ينطلي مرة أخرى على الشعب السوري، وفي هذا الإطار أيضاً فإن على المجتمع الدولي أن لا يصمت طويلاً، عليه أن يتحمل مسؤوليته في مساندة الشعب السوري وليس التطبيع مع النظام.

   إن المرحلة الحالية من تطور الأزمة السورية بكل التدخلات العسكرية والسياسية الخارجية، وانسداد الأفق أمام أي حل لهذه الأزمة يوجب على كل الوطنيين والتقدميين والديمقراطيين السوريين التلاقي والعمل المشترك من أجل إطلاق حوار سوري – سوري دون إقصاء، لأنه بإمكان هذا الحوار وحده إجلاء كل الظلمات والتوصل إلى التوافق الوطني العام، والحوار هو سمة العصر، وعلينا ولوجه دون تأخير.

-3-

   إن النظام السوري الذي يقف عاجزاً عن السيطرة على هذه الاحتجاجات التي تهدد بالتوسع، لا يعني أنه سيقف متفرجاً على ما يجري، أنه يحتاج إلى افتعال مشاكل وفتن بالتوازي مع الاحتجاجات، وهو ما اعتاد عليه النظام طوال فترة حكمه، فكان إشعال فتنة دير الزور، وذلك بتحريض بعض سكان المنطقة، وكذلك إدخال مجاميع مسلحة موالية لها وإمدادها بالسلاح مستغلاً وجوده على الطرف الآخر من النهر، إضافة إلى تمكنه من خرق الرئيس المشترك لمجلس دير الزور العسكري المدعو أحمد الخبيل الذي حوّل نفسه إلى أمير يسرق وينهب ويقتل ويشجع تجارة المخدرات، وأساء للشعب كثيراً، وأكثر من ذلك فقد تواصل مع القوى المعادية وبخاصة إيران وتركيا اللتان قامتا بدورهما بتشجيعه والاستفادة من خدماته في خلخلة الأوضاع في المنطقة.

   لقد طالب أبناء المنطقة، وطالبت العشائر بمحاسبة الخبيل، ولكن عند قيام قسد بمحاسبته تدخل النظام وتدخلت إيران وتركيا وحرضت على التمرد ضد قوات سوريا الديمقراطية التي حررت المنطقة من داعش وقضت على دولة الخلافة الإسلامية المزعومة. تدخلت المجاميع العائدة للنظام من الجهة الأخرى للنظام وهكذا فعلت إيران وقامت تركيا بهجمات واسعة على جبهات منبج وعين عيسى وسريكانيه بالتزامن مع تدخل النظام وإيران وبدء الفتنة، غير أن قوات سوريا الديمقراطية تمكنت من التصدي للهجمات التركية وإفشالها وتكبيدها خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، وفي منطقة التمرد تمكنت قوات سوريا الديمقراطية بحكمة وحنكة من القضاء على المؤامرة بأقل الخسائر الممكنة وفي مهدها، لقد كان الأقذر في فتنة دير الزور هو المحاولات اليائسة في الإيقاع بين العرب والكرد، وإظهار التمرد وكأنه موجه ضد الكرد المحتلين، في وقت يعلم فيه الجميع بأن مجلس دير الزور العسكري أنما يتشكل من المكون العربي في المنطقة، وأنه لا يوجد مكون كردي في المنطقة، إضافة إلى أنه لم يكن هناك صراع عربي – كردي في سوريا عبر التاريخ وعلى الإطلاق، ولكن لكي تنجح المؤامرة فإنهم ملزمون باستعمال أخس الأسلحة دناءة والتي لا يستفيد منها سوى أعداء سوريا، غير أن التفاف الشعب حول قوات سوريا الديمقراطية التي عملت بحكمة وحنكة، بحزم ومرونة، مكنتها من إفشال الضخ الإعلامي للقنوات التلفزيونية مثل أورينت وسوريا والميادين وغيرها وإفشال جيش الفيسبوكيين الذي وضع نفسه في خدمة تركيا وإيران والنظام السوري.

   إذا كان النظام السوري يحاول – بافتعال فتنة دير الزور – التغطية على الاحتجاجات في السويداء وغيرها، فإنه يرمي في نفس الوقت إلى تحقيق أهداف أخرى، وبخاصة إزاء الحشودات الأمريكية والأنباء حول إيصال منطقة التنف بنهر الفرات، حيث تشكل منطقة شمال وشرق دير الزور في الظرف الراهن الذي تمر به سوريا منطقة استراتيجية، فهي تشكل من جهة منطقة تماس رئيسية بين قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي وبين قوات النظام السوري والقوات الإيرانية والميليشيات المرتبطة بهما مثل حزب الله اللبناني وقوات الحشد الشعبي العراقية وما يسمى بالدفاع الوطني، كما تشكل المعبر البري الوحيد الذي يربط إيران بالنظام السوري وإمداده مع حزب الله بالسلاح، أنه شريان حيوي بالنسبة لإيران وحلفائها، وفي نفس الوقت فإن هذه المنطقة مع تواجد قوات النظام والقوات الإيرانية وحتى الروسية فيها تشكل تهديداً للتحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية وعموم المنطقة، وقيام التحالف الدولي باحتلال هذا المعبر وإيصال التنف بالضفة اليمنى لنهر الفرات، يعني إلحاق ضربة موجعة بإيران وبجميع أذرعها في المنطقة وخاصة النظام السوري وحزب الله، إضافة إلى غنى المنطقة بالنفط والغاز حيث تتواجد فيها العديد من الحقول، وهذا يعني أنها منطقة صراع رئيسية، ولاسيما بعد الأخبار التي تتحدث عن نية قوات التحالف الدولي بإيصالها بقاعدة التنف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى