افتتاحيات الجريدة

هجوم داعش على سجن الصناعة في الحسكة.. ( دروس وعبر )

العدد (439)

-1-

   في ليلة 20/1/2022م فوجئ الجميع بهجوم لمرتزقة داعش على سجن ثانوية الصناعة في مدينة الحسكة، واعتبر في البداية أنه هجوم لخلية أو عدة خلايا نائمة لداعش بهدف تحرير بعض عناصره، أو أن الهدف منه هو إثارة البلبلة، وبيان أن داعش لازال موجوداً وبإمكانه القيام بعمليات إرهابية، وقد عزز هذا الظن الاحتجاجات التي كانت تقوم بها عناصر داعش في هذا السجن والبالغ عددهم نحو /5000/ عنصر في أوقات مختلفة، ولكن وبعد ساعات تبين أن الأمر أكبر من ذلك بكثير، وأنها عملية واسعة لحوالي /200/ عنصر داعشي من النخبة المدربة بشكل ممتاز استقدموا من تركيا والمناطق المحتلة مثل سريكانيه ومن العراق ومن مناطق أخرى، وأن هناك دول وجهات خططت لها بعناية، وحدّدت أهدافها، وقدمت لها الدعم اللوجستي لإيصالها إلى أهدافها، ووفرت لها كل شيء بما في ذلك الأسلحة وحتى الدعاية الإعلامية.

   لا شك أن داعش نجح في تحرير بعض عناصره ومنها قيادات وأمراء واستطاع جذب اهتمام دولي بأنه لايزال موجوداً، واستطاع أيضاً خلق البلبلة وضرب الأمن والاستقرار في مدينة الحسكة، وللحقيقة فإنه لم يستطع تجاوز حيي غويران وحوش الباعر الملاصقين للسجن، وبقيت كامل المدينة بعيدة عن آثار الهجوم، ولكنه لم ينجح في تحقيق أهدافه الرئيسية الأخرى، ومن ضمنها احتلال مدينة الحسكة، وفتح طريق بينها وبين سريكانيه لتتمكن القوات التركية وباقي المرتزقة من الوصول إلى الحسكة عبر تل تمر، والتمدد منها باتجاهات أخرى، سواء باتجاه شنكَال أو الرقة أو أية مناطق أخرى وبالتالي توجيه ضربة قاصمة إلى الإدارة الذاتية.

   لم ينجح داعش وفشل المخطط بكامله بفضل القوة الضاربة لقوات سوريا الديمقراطية والقوى الأمنية الأخرى التي تنبهت سريعاً للمخطط وللمؤامرة الواسعة والتي استطاعت تطويق المنطقة بسرعة فائقة بما في ذلك حيي غويران وحوش الباعر، ولم تسمح بتمدد المعركة إلى باقي أحياء مدينة الحسكة ووجهت للمهاجمين ضربات قاضية، وكان لمشاركة طيران التحالف الدولي أثره الفعال أيضاً، وكان لالتفاف الشعب حول قوات سوريا الديمقراطية دوراً كبيراً أيضاً في تحقيق الانتصار، وهو أمر يجب أن يقدر عالياً.

   نعم، لقد تم إفشال المخطط الداعشي الذي أعد بالاشتراك مع الدولة التركية وجهات أخرى قد يكون النظام السوري من بينها، لقد استطاعت قوات سوريا الديمقراطية القضاء على الهجمة الداعشية خلال أسبوع من بدايتها بعد أن قدمت /121/ شهيداً، وبعد أن قضت على حوالي /300/ داعشي سواء من القوة المهاجمة أو من العناصر التي حاولت الفرار، وللأسف الشديد فقد ذهب عدد من المدنيين ضحية للهجوم الإجرامي لداعش، ولازالت القوى الأمنية تلاحق بعض الفارين الذين يحاولون الاختباء وتقوم بالتمشيطات الضرورية.

-2-

   ليس المهم هنا هو سرد أحداث هذا الهجوم، بل المهم هو معرفة أهدافه والقوى التي تقف وراءه، ومعرفة تداعياته وبالتالي التوصل إلى الاستنتاجات الضرورية من أجل ترسيخ أركان الإدارة الذاتية وتعزيز قوات سوريا الديمقراطية وجميع القوى الأمنية الأخرى، المهم هو ما الذي ستفعله الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية بعد ما تم إحباط وكسر المؤامرة؟

– إن سجن الصناعة هو بناء مدرسي عادي ومهما كانت مساحته فإنه لم يكن من المناسب أن يتم تحويله إلى سجن لـ /5000/ عنصر من أخطر الإرهابيين في العالم، وكان من الضروري احتجازهم في ملاجئ محصنة تحت الأرض يمكن حمايتها بسهولة، وكان من الضروري قطع أي اتصال خارجي عنهم وعدم إدخال هواتف للسجن، وبهذا الخصوص أيضاً فإنه يجب الاحتراز تجاه مخيم الهول والسجون الأخرى لداعش إذ من الممكن أن تتعرض لهجمات مماثلة وسيكون الوضع حينئذ كارثياً.

– لقد أصبح ضرورياً أكثر من أي يوم آخر تنشيط حملة دبلوماسية حول ضرورة إنشاء محكمة دولية لمحاسبة مرتزقة ومجرمي داعش المحتجزين في سجون الإدارة الذاتية الديمقراطية، أو أن يرحلوا إلى بلدانهم ومطالبة الأمم المتحدة بذلك، وضرورة أن يقوم المجتمع الدولي بواجبه في هذا المجال.

– إن القوى المعادية وهي كثيرة سواء كانت دولاً أو مجموعات إرهابية تتحين الفرص، فتركيا تعمل الكثير سراً وعلناً، والنظام السوري وإيران يقومان بتشكيل المجموعات والتنظيمات المسلحة، وتقومان بالدعاية والتحريض وخلق الفتن، ويجب القضاء عليها وإفشالها قبل أن تكبر وتصبح خطراً واقعياً ليس فقط أساليب أمنية، وإنما سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً أيضاً.

– العمل الجاد من أجل التوصل إلى حل حقيقي للأزمة السورية من خلال حوار السوريين، والعمل من أجل طرح خارطة طريق جديدة يكون بالإمكان تجميع العديد من السوريين حولها.

– تقوية الجبهة الداخلية عن طريق وحدة الصف الكردي ووحدة مكونات شمال وشرق سوريا.

– معالجة القصور في أداء الإدارة الذاتية ومؤسساتها، والعمل من أجل تحسين الوضع المعيشي للشعب ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات المقدمة للشعب وتطوير الصحة والتعليم.

-3-

   لقد كشف هذا الهجوم عن حقيقة أن الشعب كان مع الإدارة الذاتية الديمقراطية وملتفاً حول قوات سوريا الديمقراطية، لقد أظهر المكون الكردي في مدينة الحسكة عن حقيقة يجب أن لا تغيب عن الأذهان، كان موحداً، وكان عاملاً مساعداً في تعقب خلايا داعش وأفرادها الفارين، حرسوا بيوتهم وأحياءهم، لم يغادر أحد مدينتهم بحجة حماية عوائلهم، وكان موقف المكون العربي والمواطنين المسيحيين جيداً أيضاً، وإزاء هذا الوضع نعتقد بأن هناك مهمتان رئيستان تواجهان الإدارة الذاتية، مهمة داخلية ومهمة خارجية.

   على الصعيد الداخلي يجب توجيه الشكر إلى الشعب الذي كان عاملاً مساعداً في القضاء على إرهابيي داعش الذين حاولوا الاختباء والتحصين في الأحياء، وكان دور الشعب رئيسياً في إفشال ذلك، وقد ظهر التفاف الشعب حول قوات سوريا الديمقراطية واضحاً في مشاركته الكثيفة في توديع الشهداء في مزارات الشهداء، وهذا يستدعي الانفتاح عليهم من قبل الإدارة الذاتية بشكل أفضل واحترام مطالبهم، والاهتمام بحياتهم المعيشية والصحية والتعليمية والخدمية وجعلهم يشعرون بأن كلمتهم مسموعة ومحترمة؛ كل ذلك يساعد على تعزيز الجبهة الداخلية في نطاق الإدارة الذاتية والتي هي من أكثر الواجبات إلحاحاً، والتي تسعى كل القوى المعادية إلى ضربها وتفتيتها.

   وعلى الصعيد الخارجي فإن هذا الهجوم بجميع نتائجه يشكل مناسبة جيدة لهجوم دبلوماسي واسع باتجاه المجتمع الدولي للعمل من أجل جلب تأييد أكبر للإدارة الذاتية، وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي والضغط على تركيا ومرتزقتها، ونأمل أن تستثمر الإدارة الذاتية هذه المناسبة بشكل إيجابي لتعزيز علاقاتها الخارجية، ويجب التركيز في هذا الهجوم الدبلوماسي على ضرورة أن تأخذ كل دولة مواطنيها من عناصر داعش المحتجزين في سجون الإدارة الذاتية مع عوائلهم ومحاكمتهم لديها على الجرائم التي اقترفوها، أو إنشاء محكمة دولية لمحاكمتهم على جرائمهم التي ارتكبوها في مناطق الإدارة الذاتية وفي الأراضي السورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى