آراء

هل انتصرت الأزمة وخسرت الشعوب السورية؟ – فتح الله حسيني

العدد (439)

   ربما التركيز الأمريكي على الملفات الدولية والإقليمية الساخنة، ومن ثم توجيه الأعين في نفس الوقت على الاضطرابات الاقتصادية المرافقة لانهيار الليرة التركية في الداخل التركي، يؤدي إلى تقليص الدور الأمريكي في تقليص تعقيدات الأزمة السورية، وهذا ما حدا بإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى التركيز الكلي، عسكرياً ولوجستياً، والإعلان الواضح في تقديم الدعم الكامل لقوات سوريا الديمقراطية التي لم تتلطخ أيادي مقاتليها وأسلحتهم بدماء السوريين وقتلهم، بقدر ما كانت تلك القوات حليفة للتحالف الدولي، وقارعت الإرهاب، وحافظت على أمن وسلم ثلث الجغرافيا السورية دون مكافأة من نظام دمشق، بل وما زال أركان النظام ذاته يتهم هذه القوات بشتى الاتهامات التي لا مثيل لها، في وقت فإن جرائم دولة الاحتلال التركي وفصائلها وجيشها مستمرة دون موقف داخلي أو خارجي رادع.

   بينما تتجه الأنظار إلى الحلول السلمية المرافقة لقرارات الأمم المتحدة التي بقيت دون تنفيذ، فقد حذر المبعوث الأمريكي الخاص السابق لسوريا، جيمس جيفري، إدارة الرئيس جو بايدن، من مخاطر إبقاء الأزمة السورية في الخلف، والتركيز على ملفات أخرى غير ساخنة حسب وصفه.

   وقال جيفري بحسب مجلة “فورين أفيرز”، إن “انتصار نظام بشار الأسد سيرسل رسالة إلى الحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم بأن القتل الجماعي هو تكتيك قابل للتطبيق للاحتفاظ بالسلطة”، مشيراً إلى أن ذلك سيزيد من توغل روسيا وإيران في المنطقة، منتقداً رؤية مسؤولين في إدارة بايدن بأن حل الصراع في سوريا ليس أولوية بالنسبة لهم، مطالباً بتكريس الطاقة الدبلوماسية اللازمة لإيجاد حل للأزمة السورية، مشيراً إلى أن الإدارة الحالية لم تقم بأي خروج دراماتيكي عن نهج الإدارات السابقة.

   كلام جيفري يأتي في وقت كان جيفري ذاته يشتت الأنظار عن كارثية الأزمة السورية ويرى في التدخل التركي العسكري في الأزمة السورية شرعية كاملة، متكئاً على ملف اللاجئين السوريين المقيمين في المدن التركية، دون أن يعلن أن تركيا تلعب بورقة اللاجئين السوريين لابتزاز الغرب وحتى ابتزاز مصالح دولة “جيفري” ذاتها، حتى باتت هذه الورقة محروقة لدى العالم برمته.

   إن الحرب في سوريا، خلقت الكثير من الأزمات مثل ظهور تنظيمات إرهابية أهمها داعش، وتدفقات هائلة للاجئين وتشريد نصف السكان من ديارهم، وفقر مدقع في الداخل، ولكن بقيت كل هذه المشاكل عالقة ودون بحث دولي عن أية مخرجات من شأنها وضع حلول سريعة لهذه الأزمة المعقدة دولياً وداخلياً، وهذا ما يجب أن تبادر إليه واشنطن قبل غيرها، في أن تقود جهوداً دبلوماسية للتوصل إلى حل للصراع السوري، وذلك بالتنسيق بين دول أعضاء التحالف الدولي ونظام دمشق، وقادة قوات سوريا الديمقراطية، وربما تكون هنا روسيا أكثر استعداداً لاتفاق على هذا المنوال، للضغط أكثر وبجدية على سياسات نظام الأسد، خاصة وأن الآمال الروسية تلاشت تماماً في تحقيق نصر مباشر للأسد، بعد أن باتت هناك مدن كاملة محتلة من قبل تركيا ومدن فارغة من سكانها وهناك صحارى ومخيمات جديدة أصبحت بديلة عن معالم المدن الحضارية.

   على أرض الواقع، فإن إطالة عمر الأزمة السورية، تأتي في سياق خدمة مجانية للدول المحتلة للمدن السورية دون موقف دولي، وبطبيعة الحال فإن تلك الدول تستنزف الثروات السورية وتستند إلى الهيمنة والتي تؤجج الحرب بدلاً من السلم، فعلى الرغم من أن الجميع يؤكد على ضرورة تنفيذ قرار جنيف 2254، فلا يزال السوريون يعانون من غياب الاستقرار السياسي والعسكري، نتيجة غياب بوادر وآلية تطبيق واضحة وصريحة لتنفيذ هذا القرار، وذلك في غياب الإرادة الدولية لإنهاء هذا الملف الساخن.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى